• التعريف والنشأة:

الأدب الجاهلي هو الشعر والنثر اللذان كانا قبل نزول الرسالة المحمدية، ويعتبر العصر الجاهلي من أقدم العصور في الأدب العربي وبالطبع كان موطنه شبه جزيرة العرب، حيث كانت طبيعة وجغرافيا هذه المنطقة العامل الأساسي والمؤثر في الأدب في تلك الحقبة من التاريخ.في العموم لا يوجد تاريخ مدون ومعروف لنشأة الشعر الجاهلي وبداياته ومراحل تطوره إلى بداية الإسلام، وأقدم نص معروف كان تاريخه في قرنين من الهجرة المحمدية، وبناءً على العنصرية القبلية في تلك المنطقة فإن كل قبيلة تدعي أن شاعرها هو أقدم شاعر عربي وأنهم هم من فتح باب الأدب والشعر في جزيرة العرب.

وبسبب الأمية المنتشرة في ذلك الزمان لم يكن هنالك تدوين للأدب الجاهلي بل إن كل ما وصلنا كان عبر الرواة شفاهةً من راوٍ إلى آخر.

  • أنواع الشعر الجاهلي:

كانت هنالك مواضيع عديدة للشعر الجاهلي تعكس البيئة الجغرافيا والاجتماعية لإنسان العصر الجاهلي، وقد كان الغزل من أكثر هذه المواضيع وجوداً في الشعر الجاهلي، من أبرز صفات الغزل في العصر الجاهلي التعلق بالمحبوبة والشغف بها والسعي لقربها ووصف محاسنها، وأشهر شعراء هذا النوع من الشعر هو امرؤ القيس المسمى بالملك الضليل بسبب حبه للهو والنساء والشراب وله معلقة معروفة مشهورة.

كما أن هنالك الشعر الغزلي العفيف الذي لا يتطرق لوصف المرأة ومفاتنها وإنما توصف عفتها وحياءها وكريم خصالها والبكاء على الأطلال، ووصف ما يعانيه من مشاعر جياشة وحرقة الفراق والغياب والأشواق.

الشعراء الذين اتبعوا هذا المنهج من الشعر الجاهلي أغلبهم من العشاق الذين عرفوا بالعفة والتعفف عن وصف مفاتن المرأة.

وهم النواة الأساسية للغزل العذري الذي ظهر في العصر الأمور، كما أن هؤلاء الشعراء ارتبطت أسماؤهم بأسماء معشوقاتهم كعنتر وعبلة مثلاً.



والباب الثاني من الشعر الجاهلي هو المدح، حيث كان لإنسان العصر الجاهلي قيم ومبادئ وأخلاقيات موروثة كعادات وتقاليد، وكان المدح كتسطير لهذه المناقب والحث عليها، وهكذا اصبح المدح ارشيفاً للفضائل والأعمال الخيرة، ولكنه كان مليئاً بالمبالغات وخلط الواقع بالخيال والمنطق بالعواطف.

وكان هنالك سببان للمدح في الشعر الجاهلي هما التكسب من وراء الشعر حيث يتم مدح الملوك وأشراف وزعماء القبائل والأمراء للحصول على الأموال منهم، ومن شعراء هذا النوع النابغة الذبياني والنعمان بن المنذر والأعشى والحارث بن ظالم، أم السبب الثاني فكان الإعجاب بأفعال الممدوح بكل صدق، وكان هذا النوع من الشعر الجاهلي مليئاً بالصدق والحب الجارف بدون نفاق أو تملق أو تسلق، وأشهر هؤلاء الشعراء هو زهير بن أبي سلمى الذي كان يمدح كل من أصلح بين متخاصمين أو قام بأي عملٍ خيرٍ.

أما الضرب الثالث من ضروب الشعر الجاهلي فهو الفخر، وهو أشبه ما يكون بالمدح، حيث كان الفخر بالبطولات في المعارك  ومواجهة المخاطر والشجاعة في الحروب واطعام الضيف وغوث الملهوف وما إلى ذلك، وهذا النوع كان قبلياً أحياناً حيث تملؤه الحماسة والثأر وقتل الأعداء واستسهال الموت عند الحروب، ومعلقة عمرو بن كلثوم خير مثال لهذا النوع من الفخر التي تفاخر فيها بقبيلته وأفعالها وصنائعها، ولا يمنع هذا الفخر من إنصاف الأعداء ووصفهم بالقوة والشجاعة والإقدام وتسمى هذه الأبيات بالمنصفات.

والنوع الثاني من الفخر هو الفخر الذاتي الذي يفتخر فيه الشاعر بأفعاله الشخصية والتباهى بصنائعه وشجاعته وقوته وصلابته وإقدامه، وكان هذا النوع من الشعر الفخري الجاهلي لدى عدد من الشعراء كعنترة العبسي وحاتم الطائي والشنفري وتأبط شراَ.

والنوع الرابع من أنواع الشعر الجاهلي هو الرثاء، وهو أشبه ما يكون بالمدح ولكن المدح يكون للأحياء والرثاء للموتى، وينبع هذا النوع من الشعر عن عاطفه جياشة وانفعال وجداني وشعور بالحزن والفقد، أما اذا كان الميت من علية القوم فتجد أن القصيدة مليئة بالمبالغة والخيال وتعظيم الأمور حتى يمكن أن تصل لدرجة إشراك الطبيعة في الحزن على الميت، وممن اشتهروا بهذا النوع من الشعر أعشى باهلة والمهلهل بن ربيعة والخنساء وطفيل الغنوي.


الهجاء هو النوع الخامس من أنواع الشعر الجاهلي وهو عكس المدح وهو قليل الظهور في الأدب الجاهلي ولكنه راسخ الأثر وعميق التأثير لأنه تبنى على إذلال المهجو وتعريته من الفضائل والصفات الحميدة التي يفتخر بها المجتمع آنذاك، وينقسم لنوعين هما الهجاء الفردي المعني بشخص بعينه والهجاء الجماعي كالذي يكون على قبيلة.


والنوع الأخير الذي سنتطرق له في مقالنا هذا هو الحكمة، فالحكمة ضاربة القدم في أشعار الجاهليين، حتى شعراء الغزل كامرئ القيس كانت توجد في اشعاره الحكمة، وتستمد هذه الحكمة من طبيعة حياتهم في البادية وعاداتهم وتقاليدهم، وهذه الحكمة هي انعكاس لصفاء السريرة ونفاء النفس وخبرة التجارب، وتشمل كذلك النواح الأخلاقية والقيم التاريخية والفلسفة العميقة، أي أنها تعتبر خلاصة تجارب وأفكار الشاعر، وتذخر المعلقات بهذا النوع من الشعر.