في بداية كل عام تعج وسائل التواصل الاجتماعي بالناصحين بكتابة أهداف وخطط للسنة الجديدة ووضعها نصب عينيك بجانب سريرك أو على لوحة الملاحظات في مكتبك ، أو بمن يشارك بصورة لقائمة أهدافه على شكل نقاط ؛ يقطعها خط للدلالة على إنجازها بزهو يستحقونه. يتخللها منشورات فكاهية لأحدهم يستعرض قوائم أهدافه ذاتها التي يكتبها كل سنة وبنفس المستهدفات ولم يحقق منها شئ ، فكاهة وجلد للذات في آن واحد.

اتذكر هذا وأنا أجلس على أحد كراسي السينما لمشاهدة فلم "Let him go"  ، كنت قبلها استعرض قائمة الأفلام واخترته لأنه مصنف كفلم درامي . أميل للأفلام الدرامية لأنها تتحدث بلسان الإنسان وتعبر عنه وإن شعرت في حينها بقليل من الملل. سئمت من أفلام الحركة والأكشن المعروفة سلفاً بأن بطل الفلم أمريكي و يقاتل من أجل إنقاذك وإنقاذ العالم من الأشرار وينتصر عليهم بأعجوبة، منذ متى والأخيار يكسبون معاركهم ؟ أي عالم هذا ؟ هذا استطراد كإستطراد العرب فلنعود لفلمنا.

يحكي فلمنا "Let him go" قصة زوجين يفقدون ابنهم المتزوج في حادثة سقوط من خيله، فتحزم زوجة ابنهم متاعها هي وأبنها اليتيم والذي يعتبر حفيدهم الوحيد وتغادر الريف إلى مدينة اخرى ، في صدفة ما حيث تزور الجدة هذه المدينة وفي إحدى الطرقات شاهدت الجدة أرمله إبنها وحفيدها مع رجل يبدو أنه زوجها الجديد في موقف يعنف الطفل وامه.  عادت لقريتهم وفي قلب الجدة ألم على حفيدها فتقرر السفر للبحث عن حفيدها والإطمئنان عليه ورجاء بموافقة الأم على عودة الحفيد معها للمحافظة عليه من التعنيف.

يوافق الجد على اقتراح الجدة بعد محاولات منها ورفض منه بسبب أن الأم لن تسلمهم الحفيد ولن ترضى أم أن تفارق ابنها. وافق الجد على مضض تلبية لرغبة وهدف الجدة وبدأت رحلة البحث عن مسكن أرملة ابنهم وحفيدهم من منطقة إلى آخرى حتى يجدونهم في منطقة نائية حيث تسكن الأم وابنها وزوجها الجديد. يسكن الزوج الجديد مع إخوته وأمهم المجرمين فيبدأ النزاع بين الجدين من طرف والزوج الجديد وإخوانه. ينتهي الفلم بمعركة وقتال بين الجد وعائلة الزوج الجديد ويموت المتقاتلين كلهم وتظفر الجدة بالحفيد وأرمله ابنهم وتعود لديارها  بكثير من الدموع وفقد لزوجها الذي ضحى بحياته من أجل رغبتها.

جُبل في الإنسان الرغبة في تحقيق الذات والوصول للأهداف لكنها رحلة لن تصل لنهايتها حتى تقدم الضريبة التي لن تكون 15% بل قد تكون 100 % من عمرك، لأن الحياة لا تعطيك كل شئ إلا بمقابل ومقايضة.

واتلمس في حياتي الكثير من الأهداف المرهقة التي تحجب عن عيني الاستمتاع بحاضري والقبول به، بل تؤجل حتى الشعور بالسعادة لأني ربطتها بذلك الهدف الذي أمني نفسي به.

وندخل هنا في دوامة حيرة بين هل نعيش كما تفعل الغنم نأكل من حشاش الأرض حتى نُؤخذ إلى الموت أو نلزم أنفسنا بأهداف ورغبات قد يكون منها ما لن تسمح ظروف عمرك القصير تحقيقها. وكما هو معروف للمحتار فالحل هو الوقف الوسط ودمج السير في الرغبات التي قد ترهق مسيرنا في الحياة وبين لحضات التفكر الواقعية للتنازل عنها في مرحلة ما. ومهمة صعبة في فصل تحقيق الأهداف والمنايا عن السعادة والرضى عن الذات والتعايش مع الاستسلام.

هل من طريقة تساعدنا لفعل ذلك ؟ لا أعلم لكنها معركة تستحق خوضها.