قديما ، كانت الصين مضرب مثل لأبعد ما يمكن الذهاب إليه ومايأتيك منه ، أظننا بحاجة لمراجعة هذا المثل بعد هذا الوباء الذي أعادنا لزمن أولئك الذين خلعوا الأبواب ليحملوا بها الموتى بعد ما أصبحوا على ثغاء أغنامٍ لم يسقها رعاتها ،ومتاجر لم تفتح أبوابها ، وبيوت خلت من أهلها، إلى ذلك الزمن الذي لا تسمع فيه إلا رحمه الله ،أظن أن سنة الرحمة عادت من جديد في عام ٢٠٢٠
مؤخرا انتشرت عبارة حظر التجول في الخطابات والحسابات الرسمية.. أعتقد أني سمعت هذه العبارة في نشرة الأخبار لكني لم أفهمها إلا بعد أن رأيت نقاط تفتيش في كل حي تمنع الناس من الخروج وتجبرهم على المكوث في المنزل ، الوزير بنفسه خرج في خطاب متلفز يرجو الناس أن يبقوا في منازلهم ، وكأننا في حرب ، ربما نحن حقا في حرب مع الوباء، توقف العمل ، وأغلقت المساجد والمدارس ، توقفت الرحلات الجوية والبرية ، الحدود أغلقت بين الدول ، صحن الكعبة بدا خاليا من الطائفين، وأغلق المسجد النبوي ، نرى بين فترة وأخرى صور أطباء يركضون لإنقاذ مريض فهم ليسو سوى خدما لسنن الطبيعة التي وكلها الله تعالى بتدبير الأجسام وإصلاح أحوالها فتارة تراهم يبكون عاجزين من إبقاء روح أراد الله لها الفناء، ويضحكون لإنقاذ روح أراد الله لها البقاء ، وبقي الناس في منازلهم لا يخرجون منه إلا لغذاء أو دواء ، ألفت منظر المتدافعين لشراء المؤن وهم يخرجون بأطعمة تنوء بحملها عرباتهم ، وكأنها ستحميهم من هذا البلاء ، وكل مافي الأمر أنها تعطيهم إحساسا بالسيطرة على مفاصل الحياة ، إحساسا بالأمان ، مرت عدة أسابيع، ثم شهرا كاملا ، بدأ القلق ينتاب الجميع , خاصة بعد كثرة الوفيات , ودخولها دائرة المعارف والأقرباء , وحز في النفس عدم حضور الجنائز والاكتفاء بالاتصال ,وبما أن كل شيء تحول إلكترونيا , أصبحت مجالس العزاء إلكترونية, وتحولت كثير من المحلات إلى متاجر إلكترونية , بل حتى في العيد أصبحنا نهنئ بعضنا عبر منصة افتراضية, فنزور مجلس آل فلان افتراضيا , و نُفرِّحُ الأطفال بحوالة بنكية , لعلنا عاصرنا لحظة فاصلة في تاريخ البشرية , فأصبح العالم بعد كورونا يختلف عن قبله , ورغم رفع الحظر, والسماح بالعودة للحياة الطبيعية "بحذر" إلا أنها تضل غير طبيعية , نصلي متباعدين , ونصافح بعضنا متوجسين , ومن المؤلم أنه شيئا فشيئا بدأنا نتكيف مع واقع جديد , هذا التكيف يطرح سؤالا مرتجفا , حينما يذهب الوباء هل سنعود كما كنا ؟