بسم الله الرحمن الرحيم 

من أغربِ المظاهِرِ في الحياةِ الإنسانية ، أن ترى متخاصِمَين يرفعان أيديَهُم الى السماء ، كلٌّ منهما يعتبرُ نفسه مظلوماً و يدعو على الآخر ، و لا شك أنَّ أحدَهُما - و ربما كليهما -  مخطيء.  فعند الإنسانِ قدرةٌ عجيبةٌ على تبريرِ مواقِفه ، مهما كانت هذه المواقِف ،  و هذا يُرعِبُني ؛  لأنّ الإنسانَ قَد يَظلِمُ و هو يظن أن ظلمَهُ مُبَرَّرٌ ... 

و أنا أرتعبٌ من الظُلْم .

لذلك أحاسِبُ نفسي ما استطعت،  لأتأكد أنني لم أظلم أحداً ، و ادعو الله أن لا أظْلِم ، و لا أُظْلَم ، فالظلم ثقيلٌ على النفسٍ جدا ، و عواقبه وخيمة في الدنيا و الآخرة .

بالنسبة لي ، هذا هو المعيار الأهم في تحديد الصواب من الخطأ ، أن لا تظلِم ، و لكن - في الغالب- لا يوجد صوابٌ مُطلَق ، و لا يوجد خطأٌ مطلق ، كلٌّ منا يملكُ شيئاً من الصوابِ و شيئاً من الخطأ . إذاً علينا أن نوازن ، فلا نجزم و لا ننفي بشكل قاطع ، فالصواب قد يكون في منطقة بين الجزم و بين النفي ، بين ال "نعم" و بين ال " لا " ، بيني و بينك .

باعتقادي ، لا يجبُ أن نقول : إما "أنا" و إما "أنت" ، بل يجب أن نكون معاً ، أنا و أنت ، في هذه المنطقةِ التي تجمعُ بيني و بينك ، يوجد الصواب ، أو الأقرب الى الصواب ، في هذه المنطقةِ أُرْضِيكً و ترضيني ، نرضى معا ، فلا داعيً أبداً أن أرضى وحدي ، أو أن ترضى وحدَك ... 

هكذا هي الحياة،  توازنات. 

أتحدث هنا طبعا عن المسائلِ المُخْتَلَفِ عليها بين البشر ، و لا أتحدث عن قبولِ الإحتلالِ مثلاً ، فهذا ظلمٌ واضحٌ لا خلاف عليه ، أنا أتحدث عن خلافاتِنا اليوميةِ التي يزيدُها هوانا ، و يزيدها اعتدادُ كلِّ طرفّ برأيِه ، و يزيدها اعتقادُنا أن التراجعً أو الحلول الوسطى تنازلٌ أو ضَعْف ، أتحدثُ عن  الخلافاتِ التي يزيدها اهتمامُنا بكلامِ الناس ، التي يزيدها هوسُنا بما سيقالُ عنا ( هذا عيب ، هذا خارج عن المألوف ، هذا مخالف للتقاليد ...  الخ ) كل هذا يزيد الخلاف،  و يُخَلِّف وراءَه آلافَ المظلومين ، و آلافَ الأسرِ المشوهة ، و آلافَ المعَذَّبين .... 

لا أقول أننا يجب أن نهدمَ كلَّ القواعدِ و القيمِ و التقاليدِ الإجتماعية ، و لا أقول أنني أدعو الى فردٍ متمردّ على الجماعة ، كلا ؛  و لكنني أدعو الى هدمِ كلِّ القيمِ و القواعدِ و التقاليدِ المتخلِّفًة ، التي تظلم و تقسو ، التي تعززٌّ هيمنةَ طرفٍ على آخر ، التي وضِعَت لتُرَسِخَ تسلُّطَ فئةٍ على أخرى ، و معظمها للعلم مخالفٌ للشرع ..  أنا أدعو الى محاربةِ طغيانِ الجماعةِ بكل أشكالها ( الأسرة ، العائلة ، العشيرة .. ) على الفرد،  و حرمانِه من حريتِه و استقلالِه ، هذا الطغيان الذي سبب تشوهات على مستوى الفرد و الأسرة و المجتمع، من أبرزها النفاق و الكذب و العنتريات .

آلاف المبدعين قُتِلَت موهِبَتُهُم ، آلاف المُفَكِّرين قمعوا و قتلوا ، آلاف الأفراد اصيبوا بأمراضٍ جسديةٍ و نفسية ، آلاف الأُسَر تم تدميرها.... كل هذا و غيره كثير جدا حدث ، و يحدث كلَّ يوم ، باسم الحفاظ على  الأسرة ،  و الحفاظ على وحدة الجماعة ، و الحفاظ على تقاليد المجتمع ... الخ .و الحقيقة أن هذا يحدث ليحافظ على مصالح طبقات معينة. فنحن نحاول أن نخلق أبناءنا على غرارنا ، بالطريقة التي يفخر بها المجتمع،  و بالتالي نفخر بها نحن ، و بذلك ، نخلق أفرادا بلا رأي و لا فكر و لا شخصية ، و بهذا نرسخ تخلفنا .... بهذا يحافظ الدكتاتور على حكمه ، و الأغنياء على ثرواتهم ، و المخاتير على كراسيهم ....و طز في الفرد و الإبداع و الفكر و الفن و المشاعر !!!! .


و حسبنا الله ونعم الوكيل .

#خواطر_علاء_هلال.