مع بداية الألفية كان بيتنا يتحول من التماثلي Analogique/Analogic إلى الرقمي Numérique/Digital تحت “إشراف” بلجيكي،يُدعى مارك يتحدث بلكنة فلاماندية Flamand تجعل من الصعب على محاولاتي لتجربتي بضاعتي اللغوية المزجاة الوصولَ لنتيجة. أزاح الوافدُ الجديد نظيرَه القديم بصور أنقى وصوت أصفى.. وظهرت أولى تباشير القنوات: المنار بألوانها الصفراء كشعارات المتضامنين مع مضطهَدي رابعة.

كان “السيد” يظهر وعمامته السوداء مُكورة على رأسه، تاركا ذؤابة بدأ البياضُ يبحث عن مستقر له فيها تنكشف من تحت العمامة. خطب السيد نارية، مليئة بال"كاتيوشا" الإعلامية التي يوجهها نحو العدو ذي البيت “الأوهن من بيت العنكبوت” بينما تتألق عبارة “فلسطين المحتلة” بزهو على الخريطة على عكس قنوات أخرى اختارت “إسرائبل” لاعتبرات تخُصها. الأناشيد ومشاهد المقاومين يرفلون في البزات “المضاعف نسجها” تكمل الصورة. لم تكن النشرات الإخبارية تخلوا من فقرة “إعلام العدو” حيث يظهر “المحللون” العسكريون للصهاينة (لا تزال عبارة “على القناة الصهيونية العاشرة يقول المحلل العسكري للقناة كذا وكذا تتردد على مسامعي) وهم يؤكدون: "شعبنا” يصدق “السيد” أكثر من تصديقه لقادته، شارون والجماعة.

في العطلة الصيفية التالية، حيث أقضي حوالي الثلاثة أشهر دون مشاهدة التلفاز أحرى “قناة المنار” أظل أتصيد الأخبار، فربما حرر جنود السيد “فلسطين المحتلة” وأنا في عزلتي تلك. لا ينبغي لمشهد كهذا أن يفوتَني.

“On était jeunes, on était fous”

تمضي الأحلام وتأتي حرب الخليج الثالثة(غزو العراق). أنتظر خطاب السيد بفارغ الصبر. هاهي عمارات الضاحية الجنوبية، متأكد أني أرى مطابع “حارة حريك” وهي تلوح بالأعلام الصفراء مرددة “ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْغَالِبُونَ”. يظهر السيد، يخطُب بلثغته المعهودة. يُهاجم أمريكا تماما كما في النشيد الذي بثته القناة للتو “أمريكا جند للباطل جيش غزاة محتلين…”. في أناشيد القناة لا يُخطئ المرء إرث التضحية الشيعي

“(…) فاليوم مئات منا صاروا استشهاديين
وغدا ألف.. فملايين ويثور الدم بالغاصبين”

على وقع التكبير والصلاة على آل البيت اختتم السيد خطبتَه، كان مما خلُص إليه شيئا معناه أن من سنن الله في الصراع بين الظالمين، انتصارُ ذي العدة والعدد. (أفترض هنا أنكم تعرفون موقف السيد من صدام ونظامه).

عقد من الزمن مضى، تغيرت أمور كثيرة - أنا مثلا :) - وهاهو جيش الغزاة المحتلين يطلق بالونات اختبار لحرب جديدة على طاغية آخر ، هذه المرة من حزب السيد. بعضهم ينتظر بلهفة خطابا للسيد، تماما كما كنتُ أثناء بداية الاستعدادات للحرب على العراق، فهل ستكون الخُلاصة مختلفة؟

نشرت أول مرة بتاريخ 29 أغسطس/آب 2013 على  هذا الرابط.