سألتني شابة في الخامسة عشر من العمر عن ماذا يمكنها أن تفعل في حياتها.
وقالت حينها: " بما أنني طالبة في المستوى الثانوي، تواجهني أسئلة كثيرة عن ما أود القيام به في حياتي، إلى أي مجال سأتوجه وأي مهنة سأختار ... إلخ. في الحقيقة، أشعر بضغط رهيب عندما يطالبني أساتذتي أو والداي بالاختيار من الآن. أنا شابة، ولا أريد القيام بخطأ قد يدمر مستقبلي بالكامل. عندما أقرأ عن وظيفة في المجال الذي أحبه، أشعر وكأنني لن أستمتع بها أوأنني سأكون فاشلة فيها"
معرفة ما يجب علينا القيام به في المستقبل من أصعب الأمور التي تواجهنا. في هذه الأثناء، لا أستطيع أن أخبر هذه الشابة بما يجب عليها القيام به في المستقبل، لكنني سأشاركها ما ماتعلمته من حياتي الشخصية.
ما أود قوله هو:
لن تتمكن أبدا من معرفة المستقبل، حتى الشباب الذين لديهم خططهم الخاصة (أن يصبح محاميا، طبيبا، عالما ...) لا يعلمون حقا مالذي يمكنه الحدوث. إن كان لديهم يقين بنجاح خططهم، فكن متأكدا حينها أن حياتهم ستصبح مملة ومضجرة.
لاتسير الحياة دوما وفق خططنا ومشاريعنا، وبالرغم من وجود بعض الأشخاص الذين ينجزون خططهم بحذافيرها، إلا أنه لا يوجد أي شيء يضمن لك أنك واحدا منهم. عدة أشياء تتغير، وتتغير معها فرص عديدة، وبالتأكيد تفرض علينا أن نتغير معها نحن كذلك. فرص العمل مع جوجل أو ياهو أو فايسبوك لم تكن موجودة عندما كنت مراهقا ولا عملي الحالي كمدون في هذا الموقع لم يكن موجودا أيضا.
إذن، إن لم يكن بإمكاننا التنبأ بالمستقبل، فماذا سنفعل؟ في الحقيقة، لاتشغل بالك كثيرا بالتفكير في المستقبل، ركز على مايمكنك القيام به في الوقت الحالي وكن متأكدا أن هذا الأمر أفضل ألف مرة مما يمكن أن يجلبه لك المستقبل. تعلم مهارات مفيدة، أنجز أشياء رائعة، جرب مغامرات جديدة، كوّن صداقات متميزة. كل هذه الأمور ستساعدك بكل تأكيد في مستقبلك.
تعلم أن تتأقلم مع المشقة والجهد، من أهم المهارات التي يجب عليك تطويرها في حياتك هي أن تتأقلم مع المشقة والجهد. أغلب الأحيان، أفضل الأشياء تكون صعبة، وإذا كنت تتهرب من الأمور الصعبة والتي تتطلب مجهودا أكثر فكن متأكدا أنك ستخسر أشياء كثيرة.
التعلم أمر صعب، بناء شيء رائع أمر صعب، تأليف كتاب أمر صعب، المشاركة في الماراثون أمر صعب... لكنها أشياء رائعة.
إذا كنت تمتلك هاته المهارة ، فيمكنك حينها أن تفعل أي شيء، يمكنك بدء مشروعك التجاري، افتتاح موقعك الإلكتروني، تجربة مغامرة رائعة، لكن إن كنت تفضل الراحة والدعة فهاته الأشياء لن تصلح لك.
لكن كيف يمكن امتلاك هاته المهارة؟ افعل أشياء صعبة وغير مريحة، لكن ابدأ بجرعة صغيرة فالتغيير لا يتم في مرحلة واحدة. مارس الرياضة قليلا، نعم أعلم أن الأمر صعب، لكن ابدأ بدقائق معدودة، أضف دقيقة كل بضعة أيام أو نحو ذلك. حاول انشاء مدونتك الشخصية، اكتب مواضيع بسيطة، تفاعل مع الآخرين، طور نفسك. عندما تجد نفسك تميل للراحة، ادفع نفسك للقيام بشيء جديد.
تعلم أن تتأقلم مع الشك وعدم اليقين، بدء نشاط تجاري هو أمر مدهش حقا، لكن إذا كنت خائفا من عدم نجاح هذا النشاط، فلن تقوم بأي شيئ حينذاك. أنت لا تعلم مآلات الأمور، لكن إن كنت مصرا على معرفة كيف ستصير هاته الأشياء من الآن فستفوت عليك مشاريع، فرص وإمكانيات كبيرة جدا.
إذا تعلمت كيف تتكيف مع الجهد وعدم اليقين، فستستطيع تحقيق كل شيء، يمكنك القيام بجولة حول العالم، كيفية العيش بأقل التكاليف، تأليف كتاب ما، اطلاق مشروعك الخاص، العيش في بلد آخر والعمل كمدرس للغتك الأصلية، انشاء مجلة إلكترونية بشراكة مع كتاب آخرون والكثير من الأشياء الأخرى. كل هاته الأشياء تبدو رائعة، لكن قبل ذلك عليك أن تتغلب على خوفك من المشقة والشك.
تخلص من الإهمال والتسويف، كل ما سبق وذكرنا لن يكون له أي قيمة إن لم تتخلص من مشلكتي الإهمال والتسويف العالميتين. بإمكانك أن تظفر بإحدى الفرص المتاحة لأنك تمتلك المهارتين السابقتين، لكن كن متأكدا أنك لن تستفيد منها بنسبة كبيرة إن كنت مشغولا جدا بمشاهدة التلفاز أو متابعة مواقع التواصل الاجتماعي البئيسة.
في الحقيقة، الإهمال والتسويف ماهما إلا طريقين لتجنب المشقة.
اقرأ أيضا: لماذا يتوجب عليك أنت أيضا إغلاق الفايسبوك؟
انجز شيئا ولو صغيرا، معظم الناس يضيعون أوقاتهم في أشياء تافهة، أشياء مثل مشاهدة التلفاز، الالعاب الالكترونية، منصات التواصل الاجتماعي، قراءة أخبار تافهة... ستتأكد بعد سنة من ممارسة هاته الأشياء أنك لم تستفد من شيء. لكن إن قمت برسمة كل يوم، تطوير تطبيق إلكتروني، إنشاء مدونة أو قناة فيديو تقوم بتحديثها بصورة منتظمة أو بدء مشروعك التجاري ... حينها، وبعد سنة واحدة سيمكنك الافتخار بأنك أنجزت أشياء رائعة، تعلمت مهارات كثيرة، أشياء لن يستطيع معظم الناس القيام بها، أشياء يمكنك الإشارة إليها وأنت تقول:" انظروا، أنا من قام بإنجاز كل هاته الأشياء".
ستبدأ بأشياء صغيرة، لكنها ستتطور يوما بعد يوم. مثل كل استثمار، تضع مالك فيه وينمو مع مرور الزمن.
كن جديرا بالثقة، كيفما كان عملك، تصنع حلويات وفق الطلب، تبيع تطبيقا في متاجر التطبيقات أو تحاول الحصول على وظيفة جديدة، كل هاته الأمور تتطلب أن تصبح ثقة، وأن تتعلم كيف تخبر الناس بذلك. عندما يشغل أحدهم شابا في مقتبل العمر، فإن الرهان الأكبر هو أن يكون هذا الشاب جديرا بالثقة. وهذا لن يتأتي إلا بالصدق والجد واحترام المواعيد. الأشخاص الذين يكسبون ثقة الآخرين يحضون باحترامهم ويكونون أكثر حظا لإيجاد فرص عمل جديدة. احترام المواعيد، إتقان العمل، الصدق، تقبل الأخطاء ومعالجتها كلها أشياء تجعلك أهلا لكسب ثقة الآخرين.
كن على أتم الاستعداد لاقتناص الفرص، إذا قمت بكل الأشياء السابقة، أو على الأقل أغلبها، فسيكون الأمر رائعا. ستكون على الطريق الصحيح، وستكون حينها متقدما على أغلب الأشخاص في مثل سنك. ان كنت متيقظا طيلة مشوارك، فستنتبه لوجود مجموعة من الفرص على الطريق: فرص عمل، فرصة لإنجاز شيء ما مع أحد آخر، فكرة مشروع يمكنك إنجازه بنفسك، شيء جديد يمكنك تعلمه وتحويله لمصدر رزق ...
كل هذه الأمور يمكن أن تتواجد في نفس طريقك، عليك فقط أن تنتبه لوجودها، وبعدها عليك أن تخاطر قليلا للاستفادة منها. لكن إن لم تنتبه لوجود أي فرصة على طريقك، لا تضيّع مزيدا من الوقت، قم بخلق واحدة لك.
أخيرا: الفكرة العمومية التي حاولت إيصالها من كل هذا، هو أنه لا يمكنك معرفة ما ستقوم به في حياتك من الآن، لأنك بكل ببساطة لا تعرف كيف ستصبح في المستقبل، ولا ما يمكنك فعله، ما سيشد انتباهك، مع من ستلتقي، أي فرصة ستعترض طريقك، أو أي عالم ستعيش فيه. لكنك في المقابل تعلم التالي: إذا استعددت جيدا، يمكنك القيام بأي شيء تريد.
مرن نفسك أن تصبح أهلا للثقة، اصنع أشياء تعجبك، تجنب التسويف، تكيف مع المشقة والشك.
الآن أنت من سيختار، هل تريد أن تحيا حياة مليئة بالراحة والملل، أم تريد البدء من اليوم ومعرفة ماتخبئه لك الأيام.
الاختيار لك يا صديقي
مترجم بتصرف عن موقع ZenHabits