م

أكتب ما أشعر به، وأحاول أن أكون صوتًا لأولئك الذين لا يجدون الكلمات، بين الحنين والتأمل، أجد في الكتابة وسيلة للتعبير عن مشاعري وأفكاري التي لا تُقال، حلمي أن أكون لغة الصامتين، وأن تصل كلماتي إلى من يشاركني نفس الألم والتساؤلات.

مدة القراءة: دقيقتين

"على حافة الهاوية"

كنتُ أظنه كوكبًا بعيدًا، عائمًا في سماءٍ ملبّدة بالسُحب، لا يقترب، لكنه يرشّ الضوء في كل اتجاه، يغني صمت الليل دون أن يمسّه، كنتُ أراه مرسومًا بدقة في لوحةٍ لا تشوبها شائبة، خطوطه متناسقة وألوانه تنبض بالهدوء، ثابتًا في مكانه، لا يتزعزع، لكنني كنت أرى بتلك العين التي تختار أن تلبس نظارات الورد، تلك التي تظنّ أن الطيف الذي يراه القلب هو الحقيقة الوحيدة، اكتشفتُ بعد زمنٍ طويل أنه لم يكن كوكبًا، بل كان مجرد فقاعة هواء، تتلاشى عند أول لمسة، تنفجر في وجهك بألوان خادعة، فتشعر بها تملأ المسافة ثم تختفي في العدم، لم يكن مرسومًا في لوحة، بل كان أثر قلم عابر على ورقةٍ قديمة، لم تكتمل، لا كان ثابتًا، بل كان موجة على سطح البحر، تذهب حيث تشاء الرياح، في الحقيقة، كان ضوءًا غير مكتمل، يسطع لحظةً ثم يغيب في فراغ،هل تظنّ أن تلك السطور التي كانت تكتب بيننا كانت كتابة؟ لا، كانت مجرد ظلال، تخلّت عن شكلها فور أن اختفت في الظلام،لكن المشكلة لم تكن فيه وحده، بل في عيني التي اعتادت أن ترى السراب ماءً، في قلبي الذي يخلط بين اللمعان والضياء، في روحي التي تتوق للإنسانية حتى حين تجرحها أشواكها، كنتُ أبحث عن النقاء في عالمٍ يقتات على الأقنعة، عن الدفء في أيدٍ باردة، عن الصدق في أصواتٍ تعوّدت الصدى لا الحقيقة، أنا لا أبحث عن رجلٍ ولا امرأة، بل عن إنسان، كائنٍ يشاركني اللغة دون أن يحاسبني على مفرداتها، يُنصت لما خلف الكلمات، لا لما تمليه القواعد، أريد أن أتحدث دون أن أخشى أن ينكسر صوتي في منتصف الجملة، أن أقول أفكاري السوداوية دون أن يُشار إليّ كمنحرفة عن التيار، لكنني، كلما اقتربتُ من البشر أكثر، أدركتُ أن السوق مليء بالبضائع، لكن الجودة نادرة، وأن النقاء ليس سمةً متاحة للجميع، بل استثناءٌ وُجد ليُضيء للحظة ثم يختفي، أعرف هذه الحقيقة جيدًا، لكنني رغم ذلك أقع في الفخ نفسه، أمشي نحو الضوء حتى يحرقني، أمدّ يدي للعطش رغم معرفتي بأن الكأس فارغة، أراهن على الإنسانية وأنا أدرك أنها مقامرةٌ خاسرة، ضعفي يكمن في أنني لا أخجل من الظهور كما أنا، لا أرتدي درعًا حين أواجه العالم، أقدم ذاتي بصدق، لكنهم يظنون أن الصدق ضعف، أن القلب الطري فريسة، أن اليد الممدودة فرصةٌ للنهش لا للمصافحة، ربما الحل ليس في الكراهية، ولا في تغيير العالم، بل في العلوّ عنه، في أن أدرك أن هذا المستنقع البشري لم يُخلق لي، وأن الانتماء إليه محاولةٌ عبثية، لكن لماذا، رغم كل هذا الإدراك، ما زلتُ أتوق لهذه الإنسانية؟ هل يعقل أنني أركض وراء سرابٍ أعلم مسبقًا أنني سأخسر فيه دائمًا؟ هل هذا هو نوع الهزل الذي أسمّيه أملًا؟ أم أنني مجبرة على العيش في هذا الحلم المستحيل الذي لا يلد سوى خيبة؟ أين هو ذلك الخيط الرفيع من الأمل الذي أتمسك به كالغريق بأعواد القش؟ ألا يُستحق أن يُمزّق هذا الخيط إلى ألف شظية لعلني أستطيع أن أتنفس قليلاً بعيدًا عن هذا الهراء؟ أم أن التوق له، كالتوق لموتٍ بطيء، هو مصيري المحتوم؟

"على حافة الهاوية" 

مرمر

م
مريم الحجيرات

أكتب ما أشعر به، وأحاول أن أكون صوتًا لأولئك الذين لا يجدون الكلمات، بين الحنين والتأمل، أجد في الكتابة وسيلة للتعبير عن مشاعري وأفكاري التي لا تُقال، حلمي أن أكون لغة الصامتين، وأن تصل كلماتي إلى من يشاركني نفس الألم والتساؤلات.

أهلاً بكم في مدونتي! أنا كاتب شغوف أشارككم أفكاري وتجربتي في الحياة من خلال تدوينات أسبوعية. أستكشف فيها التوازن بين القيم والمغريات التي نواجهها يومياً، وكيف يمكننا أن نعيش حياة مليئة بالمعنى والعمق. انضموا إلي في هذه الرحلة الأدبية!

انضم الى اكتب

منصة تدوين عربية تعتد مبدأ البساطة في التصميم و التدوين

التعليقات