Image title
الأدبيـات الإجتماعيـــةأدب الحيـــــــاة الجنســــــية والزوجيــــــةبقلـــم الأديب المصـــرىد. طــــــارق رضـــــــوان جمعــــه

"أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهن حقا... فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً، ألا هل بلغت...اللهم فاشهد".هل أحد يتم له مراده في هذه الدنيا ؟ لا ، أبداً ، لا يتم مرادك في هذه الدنيا ، وإن تم في شيء : نقص في شيء ، حتى الأيام ، يقول الله عز وجل : ( وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ) آل عمران/140 .

وفي ذلك يقول الشاعر الجاهلي :

ويوم علينا ويوم لنا ويوم نُسَاءُ ويوم نُسَرّ

فإذا كرهت من زوجك شيئاً : فقابله بما يرضيك حتى تقتنع.

خطوات قبل الطلاق:

الوعظ ليس بكلمة ولا بجملة، بل مرحلة يطول مداها، إذا ما أخلص الزوج في الحفاظ على مؤسسة الأسرة، واستجابة الزوجة في محاولة جادة منهما لطرد الغيوم التي قد تبدو في سماء الحياة الزوجية ذات الميثاق الغيظ. فهو يعتمد على تذكير الزوج للزوجة بالصالحات القانتات، وتنبيهها على ضرورة الإقتداء بهن، والسير في سبيلهن، واستخدام عنصر الترغيب في نعيم الجنات، وعظم الثواب من الله، والترهيب من جحيم النار، وعظيم العقاب من الله.

والرجل بين خيارين لا ثالث لهما: إما أنه يُمسك ويُعاشر زوجته بمعروف وإحسان، أو أنه يُطلق ويُسرِّح بمعروف وإحسان؛ من غير فجور ولا ظلم .. أما أنه لا يفعل هذا ولا ذاك؛ فلا هو يُمسك بمعروف وإحسان، ولا هو يسرّح ويطلق بمعروف وإحسان، وإنما يُبقي زوجته في ذمته ضراراً، وللتشفي والانتقام؛ فلا هو يُعاشرها معاشرة الأزواج، ويعرف لها حقوقها الزوجية .. ولا هو يُطلقها ويسرحها سراحاً جميلاً .. فهذا ليس له، ولا لغيره .. وهو ظلم وعدوان لا يجوز اللجوء إليه، كما قال تعالى:( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) (3) سورة الطلاق:2. وغير ذلك يعتبر فعل الأصاغر  الفجّار.

الهجر:

فقد يفشل الوعظ في كبح جماح المرأة الناشز، التي غلبها التسلط، فأضحت ترى الفرح ترح، والفضل بُخل، والحسنة سيئة، فالوعظ قد لا يُجدي ولا يُفيد مع إنفعال جامح، أو استعلاء بجمال، أو استخفاف بمال، أو بمركز عائلي، تنسى معه الزوجة أنها شريكة الزوج في قلعة الحياة الزوجية المقدسة، وليست ندا له في صراع أو مواطن افتخار، هنا يتعين على الزوج اللجوء إلى الإجراء الثاني، فعليه مقابلة الإستعلاء باستعلاء، ويقابل الإغراء بالفتور، والجاذبية بالنفور، والإغراء والجاذبية هما جُل ما تملك المرأة من سلاح تغتر به، فهنا يتعين على الزوج الصمود في ميدان القتال، فيُعرض عنها ويرفضها، ويهجرها في مضجعها.

فينبغي أن يكون الهجر في المضاجع، وليس هجرا ظاهرا في غير مكان خلوة الزوجين، فلا يكون هجر أمام الأطفال، فيورث نفوسهم الشر والفساد، ولا أمام الغرباء ليذل الزوجة أو ينال من كرامتها، حيث أن الغاية من الهجر علاج نشوز الزوجة، وليس إذلالها، أو إفساد الأطفال، فليس معنى الهجر أن يترك كلامها، ويقاطعها، ولكن المقصود به، ألا يُجامعها، ويضاجعها على فراشها، ويوليها ظهره، والهجر غايته شهر، كما فعل - النبي صلى الله عليه وسلم – حيث أسرً إلى السيدة/ حفصة حديثا فأفشته إلى عائشة، وتظاهرا عليه.

الحكمين:

فإذا ما فشلت كل الوسائل من ( وعظ و هجر وضرب ) وجب علي كل منْ الزوج والزوجة إختيار حكماً من أهله وحكماً من أهلها، وأمرهما بالإصلاح وصفاء النية، والرغبة في الصلح بين الزوجين، قال تعالي ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ). وجاء في مواهب الجليل :

"إذا اختلف الزوجان وخرجا إلى ما لا يحل من المشاتمة والوثوب كان على السلطان أن يبعث حكمين ينظران في أمرهما وإن لم يترافعا ويطلبا ذلك منه ولا يحل له أن يتركهما على ما هما عليه من الإثم وفساد الدين"

أما إذا فشلت كل هذه الخطوات في الإصلاح بين الزوجين فلا مناص من الطلاق، هذا هو دستور الإسلام في علاج وتقنين تلك الظاهرة التي لم يبحها إلا لتجنب الضرر حيث أن القاعدة الشرعية التي تحكم نسق الحياة في الإسلام أنه لا ضرر ولا ضرار، أي لا يضر المرء بنفسه، ولا يُلحق الضرر بغيره.

ومن مأخذ أعداء الإسلام ضرب  الزوجة:

فإذا ما أخذنا في الاعتبار كل الإجراءات السابقة، وأخذنا في الاعتبار الهدف من وراء هذه الإجراءات، نُدرك أن هذا الضرب ليس إنتقاما للتعذيب والتشفي، وندرك أنه ليس إهانة للإذلال والتحقير، وندرك أنه ليس للقسر والإرغام على معيشة ترفضها، ولا ترضاها، فهو لا يخرج عن كونه ضرب تأديب، ومصحوب بعاطفة المؤدب المربي، كما يزاوله الأب مع أبنائه، وكما يزاوله المربي مع تلاميذه.

كما ذكر فقهاء المسلمين شروطا لهذا الضرب منها:

- أن يكون ضرب أدب لا ضرب إهانة.

- ألا يكسر عظما، وألا يشين جارحة كاللكز ونحوه.

- أن يتجنب الوجه مجمع المحاسن.

- أن يكون مفرقا على البدن – وألا يوالي به في موضع واحد.

- أن يكون بمنديل ملفوف أو باليد ولا بسوط أو عصا.

فقد أُبيحت تلك الإجراءات لمعالجة أعراض النشوز قبل استفحالها، وفقدان السيطرة عليها، كما أنها أُحيطت بسياج من التحذيرات من سوء استعمالها فور إباحتها، ولقد تولى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنته العملية في بيته مع أهله، وبتوجيهاته الكلامية مع الصحابة علاج الغلو هنا أو هناك، وتصحيح المفهومات الخاطئة في أقوال كثيرة منها:

عن معاوية بن حيدة القشيري أنه قال: يا رسول الله ما حق امرأة أحدنا عليه؟! قال صلى الله عليه وسلم ( أن تُطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تُقبح، ولا تهجُر إلا في البيت

فوسيلة الضرب تُعد أنسب الوسائل لاشباع إنحراف نفسي معين، وإصلاح منْ لا تخضع إلا لرجل يقهرها عضليا، فتُسلم له كقيم عليها، وليست كل النسوة على هذا المنوال، ولكن البعض منهن ذوات المرض السادي، ينطبق عليهن ذلك القول، وهنا حين يغلب عليها النشوز، والخروج عن درب الطاعة، وسلوك درب الشقاق، فترفع راية العصيان في وجه الزوج، وهنا لا يُجدي معها الوعظ ولا الهجر، بل الأصلح لها الضرب، لكنه كما ذكرت ضرب برحمة المهذب والمعلم، حتى لا يُحسب على منهج الله تعالى تلك المفهومات الخاطئة للناس في عهود الجاهلية الأولى، حين يتحول الرجل إلى جلاد باسم الدين، أو حين يتحول الرجل إلى إمرأة، وتتحول المرأة إلى رجل. وجاء في مصابيح السنة قوله صلى الله عليه وسلم ( لا يضرب أحدكم امرأته كالعبد يجلدها أول النهار، ثم يُضاجعها آخره )  رواه البخارى.

وأخيرا  فقد روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه جاءه رجل يريد تطليق امرأته ، فلما سأله عمر عن السبب : قال : إنه لا يحبها ! فردَّ عليه عمر رضي الله عنه ويحك: " ألم تُبن البيوت إلا على الحب ؟! فأين الرعاية وأين التذمم؟!

قال ابن القيم - رحمه الله - :

الرجل إذا قضى وطراً من امرأته ، وكرهتها نفسه ، أو عجز عن حقوقها : فله أن يطلقها ، وله أن يخيرها ، إن شاءت أقامت عنده ، ولا حق لها في القسْم ، والوطء ، والنفقة ، أو في بعض ذلك ، بحسب ما يصطلحان عليه ، فإن رضيت بذلك : لزم ، وليس لها المطالبة به بعد الرضى ، هذا موجب السنة ومقتضاها ، وهو الصواب الذي لا يسوغ غيره (22) زاد المعاد ( 5 / 152 ) .