”لا تسلب الفقير لكونه فقيراً ولا أن تسحق المسكين في الباب“.و”لا تزل العلامات من حدود الحقل…ولا تتعدى على حدود حقل الأرملة“.
تتشابه ديانات الشرق الأدنى القديمة وفقا لعالم الأنثروبولوجيا (جايمس جورج فرايزر) ويظهر ذلك بشكل أخص في بلاد ما بين النهرين، وإقليم (فريجيا) وسط الأناضول، ومصر، وبلاد سومر، وكذا اليونان القديمة.
تحمل قصة إبراهيم وعزمه على التضحية بابنه أوجه شبه كبيرة مع أسطورة (هاريشاندرا) الهندوسية الأقدم منها: إن إبراهيم شخصية قديمة تناولتها الأديان الإبراهيمية الثلاثة، فقد ناداه الله بأن يهجر أرضه وموطنه وأن يستقر في أرض جديدة. أمره الله كذلك بأن يضحي بابنه قربانا له، وكان إبراهيم على وشك التضحية بابنه ذبحاً عندما نزل عليه ملاك من السماء ليكافئه على إخلاصه لمشيئة الله.
غير أنه توجد أسطورة هندية تسبق أقدم ذكر لشخصية إبراهيم ببضعة قرون على الأقل، هذه الأسطورة الهندوسية التي تتعلق بشخصية (هاريشاندرا)، وهي قصة تعين فيها على والد ورب أسرة إثبات قيمته من خلال تضحية عظيمة بعائلته، وهي القصة التي تحمل شبها كبيرا بقصة ابراهيمً .
كان (هاريشاندرا) ملكاً، الذي —حسب قصص مختلفة— أصبح مديناً لرجل حكيم يدعى (فيشواميترا) بمملكته كلها. قام (هاريشاندرا) طوعاً بالرحيل مع عائلته من مملكته وهجرها، غير أن (فيشواميترا) طلب منه تقديم المزيد من المال، لذا عمد (هاريشاندرا) إلى بيع زوجته وابنه من أجل جمع المزيد من المال. كما شغل وظيفة في محل حرق جثث من أجل جمع المال كذلك، وفي مرحلة لاحقة، قُتل ابنه بلسعة ثعبان، فأحضرته له والدته ليحرق جثته فرفض القيام بذلك مجانا إلى أن دفعت والدته المال اللازم لذلك.
أُعجب الإله (فيشنو) بتفاني (هاريشاندرا) والتزامه الشديد بالقواعد وواجباته المفروضة عليه، فقام بترقيته وزوجته إلى مرتبة الألوهية كما أعاد إحياء ابنهما من موته. تشكل قصة نوح وسفينته مكونا مركزياً للعقيدة في الكتب المقدسه وهى مطابقه تقريباً لقصة الطوفان التي يمكن لأي كائن الإطلاع عليها في ملحمة (غلغامش) التي كتبت تقريبا قبل 1500 سنة من ظهور الكتاب المقدس.
في هذا النص الأقدم من بلاد ما بين النهرين، يوعز الإله (إنكي) لـ(أوتنابيشتيم) مهمة إعداد وبناء سفينة ضخمة اسمها ”حافظة الحياة“، والتي سيجعل على متنها أقرباءه وصغار الحيوانات كلها من أجل النجاة من طوفان قادم محتوم سيمسح كل حياة ليست على السفينة. صنع (أوتنابيشتيم) هذه السفينة من الخشب، وبلغ طولها مائة متر، وجعل بها سبعة طوابق وتم إكتمال بنائها .
بعد قضاء عدة أيام على سطح السفينة بعد الطوفان، يرسل (أوتنابيشتيم) حمامة لتفقد ما إن كانت الأرض قد ابتلعت الماء أم لا. باكتشافه بأن المياه قد تراجعت، يطلق (أوتنابيشتيم) سراح الحيوانات فيكافئه الإله (إنكي) على ولائه بأن يقطع عهدا عليه على أن تكون سلالته من المفضلين.
وخناك تشابه قوى بين سفر الأمثال وكتاب مصري أقدم يحمل عنوان «تعليمة آمون إم أوبيت»، . إن ”سفر الأمثال“ هو مجموعة من الحكم التي تتعلق بالسلوكات الأخلاقية ومعنى الحياة الواردة في الكتاب القديم، والذي يعتقد أنه كتب من طرف الملك سليمان وتم لاحقاً جمعه في حكم حزقيا في القرن التاسع قبل الميلاد، وعلى الرغم من الادعاءات التي تفيد بأن الحكم الواردة في الكتاب هي نظرة فريدة من نوعها منحت لبني إسرائيل لتتبع مشيئة الله، فإن هذا القسم كاملا من الكتاب المقدس يستعير بدون شك من مصدر موجود وسابق له بعيد كل البعد عن الديانات اليهودية – المسيحية، وهو كتاب بعنوان: «تعليمة آمون إيم أوبيت».
تم تأليف هذا الكتاب الأخير في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وهو يعتبر عملاً أدبيا من مصر القديمة، الذي تم تأليفه فيما يعرف بـ«عصر الرعامسة»، ويتضمن ثلاثين فصلاً تتحدث كلها عن النصائح والطريقة المثلى للعيش.
نجد ما ورد في الكتاب المقدس أن: ”لا تسلب الفقير لكونه فقيراً ولا أن تسحق المسكين في الباب“، فورد في التعليمة المصرية الأقدم: ”حذاري من سلب الفقير، ومن سحق المصاب“. ورد كذلك في سفر الأمثال: ”لا تنقل التخم القديم ولا تدخل حقول الأيتام“، بينما ورد في تعليمة (آمون إيم أوبيت): ”لا تزل العلامات من حدود الحقل…ولا تتعدى على حدود حقل الأرملة“.
بالنظر إلى أوجه التشابه الكبيرة هذه، وصل الباحثون في الكتاب المقدس في ستينات القرن الماضي إلى خلاصة تفيد بأن للـ”تعليمة آمون إم أوبيت“ تأثير كبير على ”سفر الأمثال“، وأعلنوا وجود رابط مباشر بينهما.
هو الإيمان بوجود حياة بعد الموت التي تنقسم بين جنة ونار، غير الديانة الزرادشتية سبقت بذكر هذا التصور قبل الديانات اليهودية – المسيحية بكثير. وفقاً للزرادشتية، يخضع الإنسان للمساءلة والمحاسبة بعد موته، فوصف زرادشت نفسه وجود: ”درب الحساب“، الذي يجب على كل الأرواح أن تعبره، وهو يتمثل في جسر يسقط من على فوقه كل من كان غير جدير بجنة النعيم، فيسقط إلى حفرة الجحيم.
وتماما مثلما ورد في سرد الكتاب المقدس، في نهاية الزمن، يأتي يوم الحساب الذي يتعرض فيه الشر والشيطان للهزيمة على يد الخير، وتقوم جميع الأرواح من قبورها. كانت أول شخصية في الكتاب المقدس تصف إحياء الموتى في يوم الحساب هو النبي (دانييل) الذي استخدم مصطلح ”النعيم“، وهو تصور يعود تاريخه إلى الديانة الفارسية المثرائية Mithraism، وحالياً، يشير أول الأمثلة الباقية من العهد القديم بشكل متكرر إلى (هايدس) على أنها الحياة ما بعد الموت، وتلك إشارة واضحة للعالم الآخر وفقاً للميثولوجيا الإغريقية Hades.اقترح بعض الباحثين أن هذه التصورات والمفاهيم تم تمريرها للتقاليد اليهودية قديماً خلال ”الأسر البابلي“ أو ”النفي البابلي“ وإقامة اليهود في بلاد الفرس الزرادشتية.
فما قصة برج بابل؟
إن قصة برج بابل، التي ورد ذكرها في سفر التكوين، أسطورة تشرح سبب تعدد ألسنة البشر واختلاف لغاتهم حول العالم. تفيد الأسطورة في الكتاب المقدس أنه بعد الطوفان، سعى البشر الذين وحّدوا صفوفهم لإتمام مشروع فريد وهو بناء برج عظيم من أجل الوصول إلى السماء. من أجل إحباط هذا المسعى؛ سعى الله إلى إرباك خطاباتهم والتشويش على تواصلهم من خلال تبديل لغاتهم ثم انتشارهم في العالم حتى لا يتحدوا للقيام بأمر مماثل في المستقبل.
غير أن ما ألهم الكتاب المقدس على سرد هذه القصة واستعارتها هو قصة برج (إيتيمنانكي)، وهي زقورة —معبد متدرج— قديمة بنيت لعبادة الإله (ماردوك) في بلاد ما بين النهرين في بابل بالتحديد، وهي القصة التي قد يكون بنو إسرائيل قد سمعوا بها خلال المنفى البابلي وأثناء إقامتهم في بابل، كما أن القصة تحمل أوجه شبه أخرى أيضا من أسطورة سومرية أقدم.
ظهرت هذه القصة الأقدم قبل 21 قرناً من ميلاد المسيح. كان ما تسبب في الصراع وفقا للقصة هو طلب (إنمركار) من حاكم (آراتا) المساهمة في بناء زقورة هائلة الحجم في (إيريدو)، والتي كان الهدف منها هو الوصول إلى الإله (إينليل). رفض سكان (أوروك) هذا الطلب، وتضرعوا للإله أن يعيد للبشر وحدة ألسنتهم حتى يتعايشوا في سلام مجدداً، غير أن حرباً ضروساً نشبت على إثر ذلك بين الأمم البشرية.
لطالما كان مقتل ذات إلهية، وهي من أهم مقومات المسيحية، أمراً شائعاً في تقاليد دينية سابقة للكتاب المقدس:
تفيد قصة عودة اليسوع للحياة، وهي مكون محوري ورئيسي في الديانة المسيحية، بأنه بعد أن أعدمه الرومان على الصليب، عاد عيسى المسيح إلى الحياة بعد موته قبل أن يصعد إلى السماء في نهاية المطاف. غير أن هذا الجانب من السرد المسيحي ليس أصليا للديانة بل هو مشتق من ديانات أسبق كما هو الحال مع الكثير من المعالم الأخرى، حيث لطالما مثّل عنصر ”موت الإله وعودته للحياة من جديد“ معلما متكررا عبر الديانات والتقاليد الدينية القديمة.
يحمل هذا العنصر المسيحي تشابها أكبر مع قصة (بيرسيفون) في الديانة الإغريقية القديمة، وقصة الإله (تموز) السومري الذي قُتل بدل زوجته، وإنانا التي تمكنت من الهرب من عالم الأموات، والتي تعود إلى الحياة كل سنة من أجل المشي على الأرض لوقت وجيز تكريماً لتضحيتها.
بشكل مماثل، قُتل الإله المصري (أوزيريس) على يد شقيقه (سيث)، وتم تقطيعه إلى عدة قطع نُثرت بعدها في مناطق متفرقة عبر العالم، فجمعت زوجته (إيزيس) تلك القطع مع بعضها البعض وأعيد إلى الحياة على إثر ذلك، وأصبح ملك الأموات بين الآلهة المصرية القديمة.
تقول الكتب المقدسه أن الله خلق الإنسان من غبار الأرض، ثم نفخ فيه الروح، ووفقاً له كان آدم أول الناس، وقد كان يعيش في جنة عدن، ثم عندما تناول الفاكهة المحرمة أنزله الله وزوجته حواء إلى الارض.
وبالرجوع إلى ملحمة غلغاميش التي تتضمن قصة (إنكيدو( خُلق (إنكيدو) من الطين والماء على يد الإله (أرورو)، وهو إله الخلق، وعاش (إنكيدو) بين الحيوانات في جنة طبيعية حتى تم إغواؤه من طرف امرأة اسمها (شامهات)، التي خدعته وجعلته يغادر مأواه عارياً، لم يعد بعدها (إنكيدو) قادرا على العودة، ومنه حكم عليه بالعيش على الأرض معية بقية البشر إلى أن توفته المنية بسبب المرض، وهي حالة [المرض] لم تكن موجودة في النعيم الذي كان يعيش فيه.