كم من المرات قررت في داخلك البدء في تحقيق شيء لطالما أردت الحصول عليه ثم قلت لنفسك أنه كل ماعليك فعله الآن هو انتظار الوقت المناسب؟ أو رسمت في مخيلتك خطة أو وضعت هدف انتهى به المطاف على أحد أرفف عقلك الباطن ليجمع غبار الأمنيات و تنسج فوقه عناكب السنين بيوتها لأن الوقت المناسب لم يأتِ بعد للبدء في تحقيقها؟

الجميع ينتظر "الوقت المناسب"، لكن هل يعرف احد شكل "الوقت المناسب" أو لونه أو رائحته؟ هل يمكن لأحد وصفه بدقة كي لا نفوته عندما يأتي؟

كنت في السابق أرى أن الوقت المناسب قد يأتي للبعض فوراً أو خلال أيام و أسابيع من عقدهم لنية الشروع في عمل مهم قد يغير مجرى حياتهم بينما يتأخر عن آخرين سنوات و عقود من الزمن حتى تذبل جميع نواياهم و طموحاتهم. و أتساءل ما الذي يجعل "الوقت المناسب" بهذه الانتقائية؟ و كيف له أن يفضل المرور أو تكرار الزيارة مرات عديدة على أبواب بعض الأشخاص و ترك بقية الناس في حالة انتظار أبدي؟ و الأهم من هذا، كيف لي أن احدد هوية و خصائص الوقت المناسب لأقتنصه في كل مرة احتاجه فيها للبدء أو إتمام أي أمر أريده؟ فأنا كبقية الناس لدي الكثير من النوايا و الأهداف و الأحلام التي تنتظر "الوقت المناسب" لتحقيقها.

وفي لحظة تأمل استرجعت حادثة حصلت لي اثناء تواجدي في مدينة سان فرانسيسكو عام ٢٠١٢، حادثة أتذكر جميع تفاصيلها التي حفرتها شدة الألم في ذاكرتي لتبقيها مدى الحياة، اليوم الذي استفحل فيه ألم عصب الأسنان المفاجئ إلى درجة جعلتني اضرب رأسي بالجدار لأن ألم الضرب بالجدار كان أهون بمراحل من ألم العصب و يلهيني عنه لمدة ثانية واحدة على الأقل إلى أن يحين موعد الضربة التالية، كان يوم عطلة رسمية -لا أتذكر المناسبة- شملت جميع عيادات الأسنان، و كل الأماكن التي كانت مازالت تعمل في الإجازة لا تملك أن تقدم إلا حبوب مسكنة تكاد تكون بلا أثر على الإطلاق، استخدمت جميع وسائل البحث و الإتصال المتاحة، كنت يومها مستعد لإيجاد طريقة للتواصل مع الجن لإيجاد عيادة أسنان تفتح أبوابها في العطلة، وجدت واحدة تبعد ساعتين عن المدينة، لم يكن عندي يومها سيارة و سيارات الاجرة معظمها مشغول و محجوز و غير متاح لكثافة الطلب عليها في العطلة، استدعيت صديق من مدينة مجاورة ليأخذني للعيادة و قمت أخيرا و قبيل انتهاء اليوم بعلاج الضرس و الانتهاء من أحد أسوأ أيام حياتي.

كان يومها "الوقت غير مناسب" لألم الضرس لانه يوم عطلة، و كان غير مناسب لأن جميع العيادات المحيطة مغلقة، و كان غير مناسب لأنه لم تكن عندي سيارة، و كان غير مناسب لأن سيارات الأجرة غير متاحة، و كان غير مناسب لأن العيادة المفتوحة بعيدة، و كان غير مناسب لأن صديقي كان في مدينة أخرى.

كان الوقت هو أسوأ وقت ومع ذلك كان هو "الوقت المناسب" لإيجاد تلك العيادة و الذهاب إليها بأي وسيلة لأنتهي من ذلك الألم. ببساطة لأن دوافعي في ذلك اليوم كانت أكبر بكثير من أي ظروف أخرى قد تجعل "الوقت غير مناسب".

بعد النظر في تلك التجربة و تجارب أخرى كثيرة عشتها أو قرأت عنها لأشخاص وجدوا الوقت المناسب لفعل ماهو مهم بالنسبة لهم، على المستوى الصحي أو المالي او الاجتماعي أو الشخصي و غيره من الأهداف الصغيرة و الكبيرة

توصلت أخيرا إلى مواصفات "الوقت المناسب" الذي كنت في السابق انتظره طويلاً و أعلم أن كثيرون ينتظرونه، و بعد أن كنت أنتظره أصبحت اليوم أجده باستمرار من دون عناء بحث أو مرارة انتظار، أجده رهن إشارتي، دون الحاجة إلى ألم قاتل في أسناني يدفعني لإيجاده. أجده اليوم بعدد أهدافي التي أرغب بشده بتحقيقها، أجد الوقت المناسب للقراءة، للرياضة، لإنهاء جزء محدد من مشروع أعمل عليه، أجده وقتما أردته.

لذلك قررت اليوم إفشاء السر العظيم و أن لا أحتفظ بمواصفات "الوقت المناسب" لنفسي فقط، عل هذه المواصفات تجد طريقها لغيري فينتهي انتظاره الطويل كما انهيت أنا اليوم انتظاري للأبد.

وصف "الوقت المناسب":

هو عبارة عن صندوق لا قعر له ترمي فيه مشاريعك و أفكارك و أهدافك فيمتصها إلى فضاء آخر فلا تعود لك مرة أخرى، بل تسبح مع ملايين الأفكار و الأمنيات و النوايا لأشخاص آخرين اشتروا نفس الصندوق، هو خدعة لا أعلم من ابتكرها لكنني أعلم أن كثيرون وقعوا فيها و اشتروا هذا الصندوق.

فالوقت محايد لا يتحول، لا يكون مرة سيء و مرة مناسب، كما انه لا يكون أحمر أو أصفر، وهو لا يطول أو يقصر، و يمر على الجميع بنفس السرعة، هناك أحداث و ظروف تحدث حولك في هذا الوقت. الفرق أن البعض لديه رغبة ملحة أكبر من تلك الظروف لتحقيق ما يريد، و البعض الآخر يرى أن الظروف المحيطه به أكبر من رغبته

تلك الرغبة قد يكون وقودها الألم، أو المتعة أو شيء آخر يشعلها فتحول كل وقت إلى وقت مناسب و إن كان أسوأ وقت.

إن كان هناك شيء ما تريده و لم تبدأ به فاعلم أنك لا ترغب به بالقدر الكافي.