خُذني مَعكَ

  قصة قصيرة جداً

   إنتهت أيام العزاء، وعادت لتفتح الباب مع ابنتها الوحيدة، التي رافقتها دون زوجها، الذي بدورهِ أخذ الأطفال إلى البيت...

أمي ... إرتاحي سأرتب المكان، إذهبي الى الحمام وخذي شور، ثُم أدخلي غرفتكِ لتنامي

غرفتي؟ (تقولها بحسرة)، نعم إني متعبةٌ كثيراً، شكراً لكِ

لا تقولي ذلك أمي! فهذا أقل واجب أُقدمهُ لك

   تذهب لتدخل الحمام، وحين تبدأ الاستحمام تأخذها ذاكرتها، وتعيد لها شريط اللحظات، التي كان يقتحم عليها الحمام ويمازحها، فهو حب حياتها الوحيد، الذي جاهدت من أجل الزواج منه، لكنهُ الموت لا يعرف صديقا ولا حبيباً، لقد اغتالهُ على حين غُرةٍ بسببِ وباء كورونا، لينهي تلك العلاقة التي دامت لخمسة وعشرين عاماً، ولم ينجبا سوى أبنتهما الوحيدة، التي ادخلت السرور عليهما وآنست حياتهما أكثر.

تُكمل حمامها وتخرجُ عارية، فتبتسم أبنتها، إبتسامة خفيفة وتقول لها بلطف:

ماذا دهاكِ أُمي؟

ماذا؟

إنكِ عارية!

هكذا كان أبوكِ يريدني دائماً معه، وكنتُ في الحمام فتصورتهُ ما زال معي، فلم أتعود على فراقه بعد...

   تبكيان وتسيل دموعهما معاً، تذهب إلى الغرفة لترتدي ملابسها، تستلقي على السرير، تأتي أبنتها خلفها فتجدها نائمة، تسد باب الغرفة وتذهب لتتصل بزوجها، لتطمئن عليه وعلى اطفالها:

كيفك حبيبي؟

بخير، كيفك أنتِ وما هو حال أُمك؟

ليست على ما يرام، لكنها نامت الآن

لا باس ... سوف تتعود وتنسى مع الأيام

لا أظن ذلك فهو حب حياتها

إنها سنة الحياة نموت ليأخذ غيرنا مكاننا

هل أكل الأطفال عشائهم؟

نعم، وناموا قبل قليل

وأنتَ؟

نعم وسأنام لأني متعب وغداً لدي عمل كثير

تصبح على خير حبيبي

وأنتِ من أهل الخير حبيبة عمري

تغلق الهاتف وتضمهُ إلى صدرها ثُمَّ تُطفئ إنارة البيت وتذهب إلى غرفتها لتنام.

تستيقظ صباحاً فتذهب إلى إيقاظ أُمها فتستيقظ الأم وكأنها عروس أفاقت من ليلة دخلتها:

صباح الخير أُمي

صباحكِ أشهى من العسل يابنتي

تنهض ضاحكةً لتذهب إلى الحمام، وأبنتها تنظر إليها بدهشة كبيرة، فهي بغير الحال الذي نامت عليه، فما الذي جرى؟ هكذا تسائلت البنت مع نفسها، تخرج الأم من الحمام وتجلس الى مائدة الافطار وهي مبتسمة بعينين ناعستين، وكأن احداً يهمس في أُذنها، فتجاريها أبنتها في الكلام، فالحيرة أخذت تأكل عقلها:

أُمي أراكِ بشوشةً سعيدة! على خلاف ما نحنُ فيهُ والحال الذي نمت عليه؟

نعم لقد عشتُ ليلةً من ليالي العُمرِ مع أبيكِ ليلة البارحة

أهاا! أكان معكِ في الحلم؟

إنها ليست حُلماً بل حقيقة، كما وقد وعدني أنهُ سيأتيني كُلَّ ليلة

تدمع عيني الفتاة وهي تنظر إلى أُمها ترتعش ودموعها تنزل على خدها، تحاول الأكل لكنها لا تستطيع حيث كان زوجها لا يأكل حتى يضع اللقمة الأولى في فمها، فتنهض الأم تاركةً الطعام:

لم تأكلي ياأُمي!

لقد شبعتُ أحسُ أني ما زلتُ متعبةٌ، سأذهب للنوم

تذهب وتفتح باب الغرفة وتستلقي على السرير، تاتي أبنتها خلفها بهدوء فتجدها نائمة، تغلق الباب وتذهب لتكمل عملها المنزلي، تجلس لتشاهد التلفاز وتتصفح المحمول، ثم تقوم لتحضر طعام الغداء فزوجها سيمر عليها بعد جلب اطفاله من المدرسة فيتناولون الطعام جميعاً ...

تدخل البنت لتوقظ أُمها، تجلس بالقرب منها وبهدوء تضع يدها على كتفها وتحركها وتقول:

أمي أمي لقد جاء الاولاد وأبوهم اجلسي كي تشاركينا الغداء

لكن الأم لا ترد وبدت كانها جثةٌ هامدة، ففزعت البنت وصرخت:

أمي أمي

فجاء زوجها يركض ودخل الغرفة وتلمس عمته فوجدها قد ذهبت مع من أرادت الذهاب معهُ، فهو شريكها في الدنيا والآخرة    

.........................................................................................

حيدر حسين سويري

كاتب وأديب وإعلامي

عضو المركز العراقي لحرية الإعلام

البريد الإلكتروني: [email protected]