Image title


ماذا بعد تبادل العتاب واللوم، وخفوت الكلام، واحتضار التنازل، وموت الصفح؟ لسان الحال يجيب أن ما بعدها "تفاقد الذاكرة" اعتمدتُ كلمة "تفاقد" لأن الذاكرة تصبح أقوى عند انتهاء العلاقات لكن التفاقد موجودٌ رغم هذا، وهي كلمة تشرح معنى أن يصبح المقربون غرباء فجأة، أن يُشاح بالوجه عن الوجه، وبالقلب عن القلب، وأن يُفضِّل كلٌ منهما أن يقلب الذكريات وحده،.. نعم هذا لسان حال الواقع، لكن ظهور هذه الحال على أرض الواقع لا يعني صوابيتها، فحين تموت علاقة ما لسوء فهمٍ، أو لتنافر الطرفين روحًا وفكرًا، أو لتعدٍ أقدمه أحدهما على الآخر، فلا يعني هذا العِداء، بإمكانك التوقف عن البذل والعطاء وأن تعمل على وأد المودة المفرطة التي كانت في قلبك إن شئت ولكن باستطاعتك أن تُبقي خيطًا رفيعًا بينكما تنسجان منه إفشاء السلام والرد على السؤال وتمني الخير، و الاستجابة عند نزول الكرب، لابد أن يبقى للاحترام بينكما سبيل، إن حدثتك نفسك يومًا بإرخاء يدك لتفلت يد صاحبٍ أتعبتك عشرته، أو كرهت طبعه، ومات وِدّه فلا تفلتها ثم تهرب وتترك يد صاحبك ليباغتها برد الخواء، بل أفلت أصابع أربع ودع واحدًا لوجه الله، دع واحدًا يذكرك بأن الذي بجانبك إنسانٌ مثلك، يخطئ وتُخطئ، يشعر وتشعر، ويحزن كما تحزن، ويضعف كما تضعف، ويظن بأنه على صواب وأنت على خطأ كما تظن أنت تمامًا، فلا بارك الله بكِبرٍ يجعلك تظن أن الإعراض عمن كدر الصفو بينك وبينه انتصارًا، ونضجًا وتعقلًا،.. فالعقل أن تزِن قلبك، وتصحح قبلة مقاصدك فتجعلها لله فلا يضرك بعدها ما تلقى من الخلائق، ولن تصبح زلة المخلوقين مُعضِلة مفسدة للتسامح والرحمة، لأن القصد من العفو والرحمة، إنما هو رحمة الله وعفوه، كما يقول ذو الجلال والإكرام سبحانه في سورة التغابن : ( وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ).. فحين تتبدل علاقات الأصحاب والأحبة من تسولٍ عاطفي إلى تطلعٍ لاستظلالٍ بظل عرش الرحمن تصبح البداية عظيمة والنهاية إن انتهت كريمة، لا حقد فيها ولا إعراض، والله أعلم بالنفوس وبالأفئدة، ربٌ عظيمٌ لطيفٌ بالقلوبِ، عليمٌ بما تجِد.