Image title
"عنترة وعطيل" بين الدونيـة والبطــــــولةبقلـــم الأديب المصــــرى د/ طــــارق رضـــــوان

"عنترة وعطيل"  بين الدونيـة والبطــــــولة

بقلـــم الأديب المصــــرى

 د/ طــــارق رضـــــوان

أ‌)  بنـــاء الشخصيـــات:

شخصية البطلين (عنترة و عطيل):
يلاحظ أن تكوين شخصية عطيل جاءت متناسقة ومتناسبة مع ما ورد في تكوين شخصية عنترة في سيرته وذلك من اتجاهين:

السمات المظهرية:
بالنظر لسمات الشخصية المظهرية يظهر لنا أن كلا الشخصيتين عربية وكلاهما ذو سحنة سوداء ويمتازان بالضخامة الجسدية والقوة والشجاعة والفروسية.

السمات الإنفعالية:
كلا البطلين يتميزان بسمات مشتركة منها النبل ودماثة الخلق والميل إلى المرأة بشكل أحادي إلى درجة العشق والهيام ويتميزان أيضا بسرعة الانفعال وقابلية رد الفعل. حتى الأعراض المرضية ومنها عدم القدرة على تحمل الصدمات النفسية القوية فيما يتعلق بالمحبوبة، كما كان يحدث لعطيل عندما دخل في غيبوبة وتشنجات عصبية حينما بث ياجو فيه عقدة الشك بزوجته وصور له أنها تخونه مع كاسيو. وهو نفس ما حصل لعنترة عندما دخل في تفكير عميق وذهول وسرحان حين فوجئ باختطاف عمارة لمحبوبته عبلة بعد رجوعه من العراق أو حين أخذه اليأس وغادر إلى مكة بعد أن وضعت عبلة تحت حماية الملك. ونلاحظ أنهما يشتركان في عقدة الدونية المستحكمة في الشخصيتين بسبب لون بشرتيهما. تتجلى سمات السذاجة والضعف تجاه ما يتعلق بالمحبوبة, كما يتجلى ذلك في تصديق عطيل للوشايات دون تمحيص، في المقابل نرى عنترة يتقبل شرط عمه المجحف دون أدنى مراجعة ويذهب في تعريض نفسه للهلاك بسبب ذلك.

2- الحبكة و البطلين:

تدور الحكايتان حول بطلين فارسين تشكل المرأة وعلاقتهما بها محور بناء الحبكة. فالأول عطيل محب وعاشق واستطاع أن يتملك دزدمونة بالزواج بها رغم العوائق المتعددة وعلى رأسها رفض أبيها لهذا الزواج وكثرة الخطاب المنافسين. وهي لدى عنترة أيضا حين تمكن من الحصول على عبلة والزواج بها على الرغم من رفض أبيها له وتعدد خطابها المنافسين له. مع الفارق الزمني، تبدأ الحبكة في عطيل بتحقق الهدف وهو الحصول على المحبوبة، فيما تتأخر لدى عنترة إلى قرب نهاية الحبكة. يظل البطلان يصارعان الحاقدين والحاسدين عليهما حتى آخر مشهد في الحكايتين.

نهاية حياة البطلين:
كانت بعد انتقال الحكايتين من مستوى الأحداث العاطفية إلى التراجيديا. حيث انتهى البطلان نهايتين مأساويتين. “Othello” بإغماده خنجره في خاصرته وعنترة بإتكائه على رمحه ليموت مستنداً عليه. وهذه النتيجة وصلا إليها بسبب شعورهما المشترك بخساسة الغدر التي تغلبت عليهما في آخر المطاف، فعطيل وقع ضحية الغدار ياجو وعنترة وقع ضحية الغدار وزر. مع الفارق أن عطيل ارتكب حماقة بقتل زوجته قبل أن ينهي حياته. فيما كانت ميتة عنترة بتلك الصورة إنما هي لإنقاذ عبلة من الاختطاف لتتمكن من العودة إلى ديارها. ومهما كانت الأسباب فكلا البطلين انتهيا محبين مخلصين ومحتفظين بحبهما. وأبرزا عواطف جياشة في نهاية لحظات حياتهما. فقبل أن يقتل عطيل نفسه قال:”قبل أن أقتلك قبلتك – وما من سبيل آخر – قتلت نفسي لأموت على قبلتك” ( )،كما أن عنترة عندما شعر بالموت يسري في جسده قال لعبلة :”واعلمي يا حبيبة القلب إنهم بعدي ما يبقون، كذلك بنو عبس لا يقدرون أن يحموك، ولا يرعون لك جانب، ولا يردون لك طالب، ولا بد لك من قريب يحميك ومن الأعداء يقيك، فهذه موتتي التي كتبت علي، فيا ترى كيف تكون موتتك

3- السمات الشخصية للبطلتين دزدمونة وعبلة:
كلتا البطلتين امتلكتا سمات الإخلاص في الحب وعانتا من الضغوط الأسرية والاجتماعية بسبب أصل شريكيهما ولونهما. ناهيك عن وجود الحساد لعشيقيهما. وكان أبواهما من سادة وأشراف القوم في البندقية وفي قبيلة عبس. اعترفن بحبهن أمام الملأ وقاومن ضغوط أبويهن وتحدين كل العوائق والموانع الاجتماعية التي كانت تصدهما عن زواجهما بهذين العبدين اللذين اختارتاهما وصمدن أمام الإغراءات المادية من قبل الخطاب والراغبين بالزواج بهما من سادة القوم وأشرافهم وأثريائهم، فنرى دزدمونة تواجه أباها أمام الجميع بحبها لعطيل المغربي الأسود كما رفضت أحد أثرياء البندقية وتجارها وهو رودريجو الذي ظل يلاحقها دون يأس حتى لقي حتفه في النهاية، ومثلها عبلة التي واجهت أباها في العلن بحبها لعنترة العبد الأسود كما رفضت كثيرا من الخطاب الأثرياء وعلى رأسهم عمارة أحد أثرياء القبيلة والذي ظل يلاحقها حتى لقي حتفه في النهاية. البطلتان وحيدتا أبويهما فلم يكن لهن أخوات.
ظهرت الموهبة الفنية عند كلتا البطلتين كالغناء والرقص في إحياء الحفلات ومواقف التكريم لبطليهما والاحتفاء بانتصاراتهما، كما امتازتا بسمات الجمال الذي جذب الخطاب نحوهما علاوة على كونهما من ذوات السحنة البيضاء.

4- بناء الشخصيات الثانوية:
تتقابل سمات الشخصيات الثانوية في الحكايتين ابتداء من:
الأبوين (برابانسيو والد دزدمونة ومالك والد عبلة)، فكلاهما يتميزان بسمات الاستعلاء واحتقار الآخر، والتمسك بأعراف المجتمع والقبيلة وتقاليدهما بشكل مبالغ فيه ، وكلاهما لم يكونا قادرين على تقبل أو تحمل نتائج ارتباط العبدين الأسودين بابنتيهما، فثار “برابانسيو” على خبر ارتباط ابنته بعطيل، وذهب لاشتكائه إلى دوق البندقية. وثار “مالك” والد عبلة على عنترة عندما علم علاقته بابنته وذهب لاشتكائه لسيده “شداد” ثم للأمير شاس، وفي الوقت الذي حاول فيه “بربانسيو” مع رجاله مواجهة عطيل وقتله فور سماعه بارتباطه بابنته، نجد مالك يحاول بكل الوسائل القضاء على عنترة حتى وصل إلى أن يجعل رأس عنترة مهرا لأحد خطاب عبلة. كما أن شخصية “ياجو” في مسرحية عطيل تكثفت فيها كل أنواع الشرور، فهي شخصية حاقدة وحاسدة مارست الابتزاز وأظهرت نهمها على المال، عن طريق استغلال رودريجو وإيهامه بأن دزدمونة ستكون من نصيبه، وسيعمل على تطليقها من عطيل. وباتجاه آخر يثير الصراع بين الملازمكاسيو” وأحد أفراد قيادته. وبين كاسيو ورودريجو أيضا ليقتتلا ثم يقوم ياجو فيجرح كاسيو في رجله في الظلام ويقتل رودريجو بيده، محملا كاسيو جريمة القتل. كما أنه قام بقتل زوجته بعد أن فضحته بأنه سبب الفتنة بين عطيل وزوجته. وهو من دفع عطيل لقتل زوجته دزدمونة. فهو محور الشر في الحكاية ككل. ويقابل هذه الشخصية الشريرة المدمجة في الحكاية العربية جملة من الشخصيات أخذ كل منها جزء من دور ياجو، ومنها شخصية مالك أبو عبلة وزوجه سمية اللذان استغلا “عمارةالراغب في الزواج بعبلة وعللاه بالحصول عليها وتزويجه منها دون عنترة, وهو جزء مما كان يقوم به ياجو مع رودريجو ، كما أن مالك مثل جزءا آخر من سمات ياجو وهي سمة الخبث والغدر والمكر فهو لم يأل جهدا في نسج الدسائس للقضاء على البطل، واشترك “وزرو”ياجو” في قيادة البطلين إلى الانتحار بالمكر والغدر، فوزر وجه سهمه الغدار في الليل نحو عنترة مما كان سببا في قتله، وياجو حاك المؤامرات السرية الغدارة لعطيل مما جعله يقتل زوجته ومن ثم قتل نفسه.

كاسيوشيبوب:
اشتهرا بأنهما كاتما سر البطلين، ورفيقاهما الشخصيان، كما اشتهرا بعبثهما وميلهما للنساء، وكانا على إطلاع باللقاءات الغرامية للبطلين مع محبوبتيهما. ورفيقا البطلين المخلصان لهما اللذان لا يفارقانهما في حلهما أو ترحالهما، وكان الاعتماد في المهمات والملمات عليهما.

ب‌) بنــاء الحــدث:
تختلف أحداث الحكايتين من ناحية العرض في الحبكة. إذ نجد بداية الحكاية في عنترة تبدأ بمولده وكيف نشأ طفلاً وترعرع راعياً للإبل وخادماً في منزل سيده (أبوه) كعبدٍ ابن أمة، مهمشاً في مجتمعه تنحصر خدماته داخل محيط المنزل. كما تبدأ حكاية عطيل باختطافه لحبيبته من أول مشهد في المسرحية. وهنا نرى المفارقة الواضحة وعدم التلاقي في الحدث كون عطيل تزوج ممن أحبها في بداية الحكاية، بينما كان زواج عنترة بعشيقته عبلة قرب الجزء الأخير من الحكاية وبعد معاناة طالت كثيراً.

بيد أن الحكايتين تلتقيان في أنهما تحكيان قصة عشق وفروسية وشعر. تتمحور قصة العشق الأولى عند عنترة حول حب يحول المجتمع دون نجاحه بسبب الأعراف القبلية. وتدور قصة العشق الثانية عند عطيل باتجاه التفريق بين المحبين بعد أن التأم شملهما في بداية الحكاية. أخذت المكائد والدسائس الهادفة للتفريق بين الحبيبين مدى استحوذ على بنية الحكايتين منذ بدء نشوء علاقة الحب وظهورها. ومن وجهة نظر أخرى نلحظ اشتراك الحكايتين في صناعة البطل كفارس استلب المكانة المرموقة في محيطه واكتسب ثقة من حوله وبالذات أكابر البلد والقبيلة واتحد البطلان في أن بلغا في الحكايتين مكانة مركز القيادة وخاضا معارك بطولية تحقق بها النصر لبلديهما. تشكلت فروسية البطلين في الحكايتين تحت ضغط عقدة الدونية والشعور بالنقص المنبعثة من سواد بشرتيهما فانطلقا يعوضان ذلك النقص بإثبات الذات من خلال الفروسية والشجاعة والإقدام بحثا عن مكان ومكانة في المجتمع وقد تحقق لهما ذاك. فحكاية عطيل العاطفية عند شكسبير تحولت إلى عقدة أخرى تتمحور حول عقدة الشك التي بدورها تحولت إلى مستوى آخر من الحكاية لتنتهي بتراجيديا. غير أننا في حكاية عنترة نجد بداية عاطفية رومانسية وحبا عذريا ثم تشكلت باتجاه تجاوز البطل لعقدة الدونية بإثبات ذاته فارسا ومنافحا عن القبيلة ليتمكن من الحصول على مباركة القبيلة على إتمام هذه الحكاية العاطفية إلى أن وصل إلى مبتغاه وحينها تشكل الحدث باتجاه المأساة الأخيرة لهذا البطل والمتولدة بدافع الغدر وحب الانتقام لتنهي بذلك حياة البطل بتلك الطريقة المأساوية التراجيدية. من هنا نستطيع أن نقول إن الحكايتين على علاقة ببعضهما سواء أكان في بناء الشخصيات أم على مستوى بناء الحدث ككل وبلوغ ذروة الحدث بتلك النهاية المأساوية الأليمة للبطلين. ولا يقلل من هذا التشابه الواضح ما نجده من فوارق في بناء الحبكة وبالذات فيما يتعلق بالتركيز على عقدة الشك عند شكسبير لدى عطيل أو عقدة إثبات الذات لدى عنترة مع مراعاة أن عقدة إثبات الذات هي هي عند عطيل وإن قل التركيز عليها في المحكية. وعقدة الشك عند عنترة هي هي وإن قل التركيز عليها في الرواية، سيما وقد تناوب على عبلة الخاطفون وتكرر استردادها منهم. فالجامع بينهما وجود العقدتين وهو ما يؤيد مذهبنا في تشابه الحكايتين.