إن مظاهر العلمانية التي بدأت تنخر عظم المجتمع الذي نعيش فيه هل هي من صنع أيدينا أم هي غزو ثقافي ؟ يسعى لضرب الهوية الإسلامية العربية و هل فعلا يعكس التطور التكنولوجي الذي يصوره لنا الإعلام ؟؟

    إن علمانية الدولة لا تقتصر بتاتا على أن تكون الدولة دينية أم لا، بل يتعدى الأمر إلى نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي هو مرهون بدين الدولة، و لائكيتها تعطيها بعضا من الشرعية المحدودة في مجال فصل الدين عن الدولة و الذي يظهر جليا للعيان من خلال تصرفات المجتمع بل حتى أخلاقه و عاداته و تقاليده.

نجد في وطننا العربي كثيرا من الدول أعلنت العلمانية كنظام لها و هذا إرضاءا لجاهات معينة سوف نأتي على ذكرها و على سبيل المثال لا على سبيل الحصر السودان و التي أعلنت مؤخرا عن علمنة الدولة، ماهي إلا خطوة نحو العلن ليس إلا، فعندما نقول دولة علمانية فهذا يعني حرية المعتقد و الدين و عدم قيام أي حزب سياسي على أساس ديني أو أي شيء يجب فصله عن الدين، و كما قرأت ذات مرة في إحدى المقالات حول العلمانية أنها تسعى لحشر الدين داخل المؤسسة الدينية و فقط و قد لا نرى ملامحه خارج المؤسسة الدينية وهذا في رأيي مفهوم ناقص للعلمانية لأنها أشمل من ذلك بكثير ولكن أعداء الله و الدين والوطن يخيطون مفهومها على مقاسهم و بما يخدمهم  و ذلك قد يؤثر على الوضع الثقافي القائم و بالتي تغير طبائع المجتمع لأنه يفرض على هذا المجتمع قيود هو في غنى عنها.

لو نعود إلى الجزائر و عند دراسة دستورها و الذي هو أم القوانين نجد في مادته الثانية أن الإسلام دين الدولة و بالتي فإن هذا الدستور يضع الإطار العام و الصورة النمطية لشاكلة الدولة و لكن ما إن تتوالى المواد حتى تكاد تنسى تلك المادة ألا وهي الإسلام دين الدولة فلا نلاحظ القوانين الإسلامية في ردع السارق و الزاني و الساحر و الشاذ جنسياً و حتى في قوانين الأسرة { طلاق، خلع، زواج } و لو خرجنا من دائرة القوانين و الأوراق إلى الواقع لوجدنا العجب العجاب فلا نجد الدين إلا في المؤسسات الدينية و هو مقيد بشروط ما تقتضيه مصلحة البلاد و هنا يأتي سؤال غير عارض هل الجزائر دولة علمانية ؟!

الجواب و ببساطة لا شكلا نعم مضمونا؛ فنحن دولة تحرم الخمر ولكنها تصدره و تستورده و نحن دولة تحرم الزنا ولكن تعطي الترخيص لفتح دور الدعارة ، نحن دولة دينها الإسلام و لا تجد مصليات في مدارسها التربوية بل تعدى ذلك إلى منع الصلاة داخل المؤسسة التربوية في فترة ما و غيرها الكثير.

و بعد دراسة مطولة نجد أن أساس هذه المشاكل هي الكيان الصهيوني الذي يريد بسط سيطرته و قبضته على العالم الإسلامي و الذي يدفع دولا كثيرة لتبني هذا النظام و الهدف منه هو النيل من الإسلام و المسلمين ولكن هيهات، لو تحدثنا عن الوطن العربي فإننا نجد نفس الوضع السائد القائم يتكرر في البلدان العربية لكن بدرجات مختلفة وتتقدمنا أرض الكنانة، ولأن هدف العلمانية هو ضرب الدين و ثوابته و عقيدته و شعائره فهي ميالة أكثر لما تحبه نفس الإنسان ألا وهو الإنحلال الأخلاقي الذي نلحظه في أيامنا هذه ففي المجتمع العربي تتمثل العلمانية في حرية المرأة وتشمل حرية لباسها و حرية حياتها بل و تجدها  لا تمتثل لقوانين الأسرة خاصة المحافظة و تصاحب من تشاء و تمشي مع من تشاء بل و تبيت مع من تشاء و حرية الشاب تتمثل في حقه في ممارسة الجنس سواء مع صديقته أو صديقه الذي بمفهومهم يتأقلم معه فكريا و يتكامل معه روحيا و حرية شرب الخمر و الحرية الشخصية التي تجعله يتمرد على قوانين الأسرة و هذا شائع بكثرة في المجتمعات العربية و موجود بصفة عادية في المجتمعات الغربية بحكم أنها تخطت هذه المرحلة بسنوات ضوئية نظرا للدين الذي يحكمها، في غالب الأحيان نجد الفرد الغربي يؤمن بالإنسان لا غير و يقول جملته الشهيرة " الإنسان قبل كل شيء " ضاربا بذلك كل الأديان السماوية عرض الحائط لأنها و كما يزعم تقيد حرية الإنسان وتمنعه من الإستمتاع بحياته.

و دعوني أقول لكم و كلي ثقة بأن ملامح العلمانية التي تنخر عظم الأمة  نجدها في المجتمعات البدوية فلا نحن نعرف كيفية تطبيقها ولا نعرف كيفية ردعها و محاربتها فنجد مثلا ظاهرة  الكبت الجنسي عند كلا الجنسين و نجد زنا المحارم و في ظل السيطرة الذكورية بمفهومها الخاطئ و الفراغ الديني الذي هو سبب هذه المشاكل كلها ونأسف لقول أن رجال الدين أصبحوا إداريين أكثر منهم دعاة و هذا راجع لنظام الدولة السائد، و نذكر هنا أغرب خطوة تقع فيها هذه المجتمعات وهي أن الشاب يريد التمدن و التحضر محاربا بذلك بعض العادات والتقاليد التي في نظره خاطئة وهذا يتعارض و أعيان القوم الذين يحاربون كل ما هو حضري بحجةأنه يفسد الأجيال  و وجوب المحافظة على العمامة و بدويتها لفرض السيطرة في أغلب الأوقات، و إن نتيجة هذا الصراع  هي من تخلق الثغرة فبعد فوز الأعلى سلطة بحكم أنه الأقوى يخسر الأقل سلطة  فيقع التمرد على العمامة بالإنحلال.

إن إمتزاج الثقافات يُكَّون للفرد شخصيات ثقافية مختلفة و يخرجه من قوقعة الثقافة الواحدة و يجعل رؤيته أكثر وضوحا على عكس الفرد الذي نشأ في مجتمع ما لم يكتسب أي ثقافة جديدة بل لم يرتحل حتى فتجده يخضع لثقافة مجتمعه السائدة و يتوارثها  فيرى بأنها الأصح و الأنسب لقيادة مجتمعه و يدافع عنها بكل ما أؤتي من قوة و يتعدى الأمر إلى زرعها في أولاده و أحفاده و هذا أمر خطير جدا يستفيد من هذا الغرس من هم أعلى سلطة  لتسيس هذه الأفكار و الإستفادة منها بما يخدم مصالحهم لا مصالح شعوبهم.

إن إنتشار العقلية العلمانية تجد قبولا في مجتمع أصبح شيوخ الدين لا يؤثرون في الناس أو تم التضييق عليهم فلا المؤسسة الدينية تأخذ كل صلاحياتها لردع هذه الأفكار المستوردة و لا النظام القائم يستطيع الترويج لها لأن المجتمع يدرك جيدا أن الإسلام هو الحل و عليه تجدهم يرفضون كل أنواع الإنحلال الأخلاقي و غيره، وقد تساهم طبقة في الترويج لهذه الأفكار ألا وهي الفرانكفونية و داعميها من المجتمع الغربي تحت نفس التسمية "  الإنسان قبل كل شيء " ويجندون لها منظمات عالمية  و السبب وراء تمكين الفرانكفونيين للترويج هو تقلدهم لمناصب عليا في الدولة و بالتي يسهل عليهم جدا نشر هذا الفكر على أنه فكر متحضر و هو نافذة الأمل نحو مجتمع راقي و إعطاء تلك الصورة المثالية للحياة المثالية جدا.

حاليا العلمانية موجودة في المجتمع و الدين أيضا موجود و لكن بنسب متفاوتة و يختلف من منطقة إلى أخرى { من الشمال إلى الجنوب } ولكن العلمانية لا تعني أبدا التطور و الإزدهار فمؤخرا أعلنت أمريكا وهي الدولة المتطورة في نظر الأغلبية الساحقة من سكان هذا الكوكب الأزرق أنها دولة دينية و دينها المسيحية.

بأي شكل من الأشكال لا يمكن إطلاقا فصل الدين عن الدولة لأنك قد تخلق مجتمعا منسلخا من قيمه و ثوابته، مجتمع حيواني شهواني ما دمنا نربط العلمانية بحرية الجسد لا بحرية الفكر و هذا بالمناسبة تعد على حقوق الإنسان فهذه الطريقة السيئة جدا لا تظبط المجتمع من حيث النسب، قد نرى في المجتمع العلماني مستشفيات للإنتحار والقتل العمدي للنفس و سببه الفراغ الديني و قد نرى إنتشار كبير لأطفال السفاح و أطفال الزنا و هذا ضياع للحقوق و لن تنفعنا حينها أبدا مظاهر التمدن التي لا تأتي لنا إلا بالخراب.

و في الأخير ما يسعني قوله الآن هو وجوب التموقع إلى أي جهة سوف ينتمي الفرد منا و الدفاع بقوة عن مبادئ التوجه الذي يختاره، و أنا هنا لا أصنف الناس على أي أساس لأننا أمام متضادين الدين الاسلامي و من يحاربه ، و هذا الأخير قد يحتمي بأي فكر لمحاربة الإسلام. فالنظام الإسلامي أثبت نجاعته و نجاحه قبل أربعة عشر قرن و التاريخ يوضح ذلك كثيرا، و أعداء هذا الدين يضربون في صميم الأمة ألا وهم شبابها فيا شباب المسؤولية كبيرة و حملها على أكتافنا  واجب شرعي مفروض.

و تكون مواجهتها في العودة إلى الدين و قيمه و ثوابته و الرجوع إلى أصوله و فقهه الذي هو السلاح الوحيد و الباقي لنا في هذه الأمة المحمدية في ظل هذه التطورات، حقيقة المعركة معركة وعي لا أكثر فالذي يخطط لتحطيمنا لا يعاني من السمنة و تجده يقرأ على الأقل كتابين في الشهر حول جميع التخصصات و كما قال الدكتور طارق السويدان { إعرف كل شيء عن شيء و اعرف شيء عن كل شيء } و يدرس حتى اللغة العربية و القرآن الكريم و يأخذ العبرة و يستفيد و لا يعاني إطلاقا من مشاكل التوجهات أو مشاكل الإنقسامات الداخلية فهمهم واحد و يسعون لهدف واحدو قوتهم في ضعفنا.

سوف أعطيكم مثالا بسيطا يوضح و يلخص ما ذكرناه سالفا في سنوات السبعينيات كان هناك ما يسمى بالتعليم الأصلي و يضم 12 مادة يدرس فيه الطالب أصول الفقه و العلوم الشرعية و التربية الإسلامية وكان رائدا و يخرج لنا نوابغ يستطيعون الدفاع عن الإسلام و لأن مشكلة الشيوعيين مع هذا الدين تم إغلاق المدارس التي تدرس التعليم الأصلي و تحويلها إلى ثانويات و توالت الأحداث حتى تم إعطاء مادة العلوم الشرعية ساعة واحدة في الأسبوع و معاملها لا يتجاوز و 02 مستقبلا سوف تصبح إختيارية إذا نال منا هذا العدو.

لماذا العلمانية ؟ لأن الذين يدعمونها يعلمون جيدا أن الإسلام لو إنتشر لإقتلعهم من جذورهم و هدد مصالحهم بل و مسح أفكارهم وهدم بيوتهم التي هي أهون من بيت العنكبوت و يبقى الإسلام رغم كيد الكائدين ...