زرت اليوم زميلتين لأجل أن أعزيهما في والد كل منهما ، شممت رائحة الحزن التي صرت أعرفها كرائحة جسدي ، رأيت ملح الدموع الذي لا يراه سوى الذين يتجرعونه بلا توقف ، و رأيت الجدران أكثر بردا و وحشة ، للموت ظل على الأشياء ، ظل على الأعين ، ظل على القلب ، كالوشاح الذي يخنق ، رأيت احمرار العيون و غرقها في اللاتصديق ، و رأيت نفسي ، رأيت نفسي فيهما في ثيابهما و حيطانهما و رائحة الطعام التي تعبق بالفقد ، يا الله ما أقسى الموت و ما أضعف الانسان أمامه ، خلقتنا بقلوب تحب و تتعلق و تألف يوجعها الفراق و يعتصرها الاشتياق و يمرضها البعاد و انقطاع الوصل ، خلقنا ضعافا نتحسر و نندم و نتمنى ألا نؤذى فيمن نحب و ليس هناك أذاً كالموت الذي لا رجعة منه ، خلقنا و نحن نجبر بضمة و نكسر باستحالة تلك الضمة نفرح بالكلمة و ننهمر بكاءً إن غابت تلك الكلمة ، ما أضعفنا و ما أقسى الموت رحماك يا ربي بنا ...