عندما تُعايش تجربة صعبة، فإن مشاعرها تتسلط عليك في جميع أحداث حياتك، بل تصبح طيفًا دخيلاً يُشعرك على الدوام أنك مهما بلغت من مبلغ، فإنك لا شيء، وان هذه الحياة التي تعيشُها، وتقاسي مرارتها، شيئًا "اعتباطيًا" ...!!

إذا حدثك الغريب عن سجن غوانتانامو-أسوء السجون التي عانى منها الكثير من ضحايا الحرب-عما يقاسيه معتقلوه من عذاب، وتسلط، واستهتارًا بالروح وأمنها وخصوصيتها، فإنك مهما سمعت منه لن تشعر حقيقةً معنى وقع ذلك، ستجد نفسك في النهاية مجرد مستمع "مذهول"، وان الذي يقف أمامك متكلم كثر حديثه، قد يبالغ، أو يهول، أو ربما قد يكون صادقًا، إلا أنك في واقع الأمر بعيد كل البعد عن صدقه، أقصى ما قد تبديه هو الشفقة، والحزن، والتبرؤ من الحول والقوة!

     إن خلجات النفس، وما تتجرعه من مرارة جور أو سُقم أو فَقد أو وَجل، لا يقل عن أعتى السجون تعذيبًا، إلا في موضعه، وفيمن أقامه، وماهية الخلاص منه، ما أن تصمد، حتى تصبح هي معركتك الخاصة، التي تقف فيها وحيدًا بزاوية شديدة الإحكام، أمام جيوش لا نهاية لسربها. هي مسلكك نحو الكمال، الذي تدرك من خلاله ماهية الحياة والوجود، فيتجلى لك منه قيمة كل شيء، حتى تدرك مسؤولية جميع ما يبدر منك، من كلمة تلفظها، إلى خطوات قد تصب او تخطئ فيها. هي عبورك من أجل الوصول إلى ما تؤمن به " محبوبك الأعظم" من لا يكترث بجميع تلك الأخطاء، الخسائر، والعثرات، التي وقعت فيها ... ولا من قنوطك الذي لم تتردد أو تخجل في أن تبديه ... ولا من هيئتك التي أنهكها البأس. إلى من هو ملجأك، وأمنك، وملاذك في السراء والضراء، من يبليك لينجيك لا ليرديك، من يمحصك لا ليطلع على مدى ثباتك-فعلمه سابق لكل شيء-بل ليكون لك معلمًا محبًا، وركنًا شديدًا.

     لذلك تذكر دومًا وانت تمضي في عبورك الخاص، ألا تجعل من أحد عليك سلطان، فلا هو إلا شأنك، وماهي إلا معركتك ... أمضي وحيدًا، ولا تقود نفسك طواعية إلى سجن يجلد فيه سجّانيه بإسم المحبة للدين، أو للوطن والأمة. كم من اقوام كانت ولازالت أسرى لمذاهب وإيديولوجيات؛ لم تكن حصيلتها إلا انبعاثات الجهل، والحروب وآثارها المدمرة، واستشراء الخواء الروحي، وسفور الزعامات الدينية الهشة، التي سلمت بقائها في دعوة (عدم الجدال)، من اباحت قتل من يخالفها بإسم الشهادة، وخاضت في الأعراض بإسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ازح من أمامك جميع تلك الأنفس الضعيفة، المتمسكة بالمال، والجاه، والتسلط، والاستعلاء على الآخرين. وتحرى من أمر تجليات الله لك، ولا تنسى أن تطمئن، ستصل حتمًا مهما طال مسيرك، وستجد في النهاية ذلك النعيم-الذي لا وصف له-يجثو لك بكل ما أوتي من وقار.