مين عمك؟
مزاجك.
مزاجك هو عمك، هو سيدك، هو صديقك وقت الضيق الذي لا تخبر به أحدًا، هو "الفتلر" الأول الذي يقيّم جمال الشيء، فيجعل لحظةً ما جميلة، و أخرى أقل جمالًا، هو سبب أنك تموت نعاسًا ولا تنام، و أنك تتضور جوعا ولا تأكل، و تتحرق شوقًا ولا تتصل، و تخاف الرسوب ولا تذاكر، و تعرف الخطأ و تفعله، و الصواب و تتجنبه.
متى آخر مرة انتصرت لمزاجك؟ و تركت شيئا بدون أي سبب مقنع لأحد، أو فعلت شيئا بدون أن يكون في نظر أي شخص مفيدا، فقط لأنك شعرت بفعله أنت و مزاجك، و فعلتموه معًا بسعد؟
متى آخر فكرت بمزاجك؟ و قررت قرارت جدية لمصلحته، و وضعت خططًا في الصباح لرعايته، و جلسة في المساء لتقييمه؟
في بداية ٢٠١٦، جدد علاقتك مع مزاجك، ضعه أولا قبل كل شيء، و كل أحد، كل الأشخاص الذي يُفترض أن وجودهم يجعل الحياة أفضل، ولا يجعلون الحياة أفضل، كل العادات التي اعتدتها لأنها كانت جميلة يومًا ما، و انشغلت عن إعادة تقييمها.
علاقة الحب التي تعكر مزاجك أكثر مما تصفيه، ما فائدتها؟ الصداقات التي تشغلك فيها فتقطعك عن نفسك، و العادات التي تكررها بدون شعور ولا حتى محاولة لتذكر الشعور.
إن ممارسة أشياء من المفترض أن تساهم في مزاج أفضل، بدون أن تكون فعلا محسنة للمزاج، يغطي أمزجتنا بطبقة سوداء ثقيلة تجعل الفرح أصعب كل مرة، لأننا حفظنا طُرقَه فأصبحنا نمشي بها مطأطئين رؤوسنا مغمضين أعيننا عن كل أسباب اختيارنا لهذه الطُرق ابتداءً، المشروب الغازي المنعش الذي لم يعد ينعشك شعور مروره في حلقك، الحلوى التي كان هدفها أن تسعدك بسيل السكر المحشو فيها، و الصديق الذي كان الخروج معه ممتعًا.
و على النقيض لو توقفت عن ممارسة كل ما لا يحرك فيك ساكنا، و أصبحت لا تقوم إلا بعمل له على الأقل تأثير مباشر على مزاجك، فإنك ستستعيد لياقة اقتناص فرص الفرح الصغيرة و الكبيرة، سيُفرحك الطفل الذي يتعلق بقميص والده، الحمامة عندما تفرد جناحيها و تطير ثابتة، المرأة السعودية التي أقفلت باب السيارة برفق، و السائق الذي -دق إشارة- قبل أن ينعطف.
ببداية ٢٠١٦، راجع كل الأشياء التي "نسج عليها التعود خيوطًا من الرتابة و الملل"، و اجعل مزاجك يختار مع من ستكمل قصة حبك، و من سيبقى صديقك المقرب، و ما هي العادات التي ستمارسها، كم فلما ستشاهد، و كم مرة ستمنع حركتك اللاإرادية في تشغيل الراديو لقناتك المفضلة لما لا تكون في مزاج لها.
مارس أشياء لا يمكنك إقناع أي شخص عاقل بالغ أنها مفيدة لأي سبب كان، و افعلها فقط لأنك تريد فعلها بدون أي فائدة مادية ولا علمية و لا اجتماعية ولا أي شيئية، لا تخبر بها أحدا إلا الذين هم أنت إلا قليلا، لأنك لو نشرتها في شبكات التواصل، ستخضع غالبا لتقييم الناس و يتسلل رأيهم فيها للمرة القادمة التي تنوي تكرارها، إفعل أي شيء لن يفيد إلا أن مزاجك سيعيشه، ثم ينتهي ولا يبقى منه شيء إلا ذكراه.
إنك لو أهملت مزاجك و أصبحت محبوبا من قبل آلاف البشر، و سكنت قصرًا مذهّبها و قُدت سيارة لا يراها ساهر ولا المرور، و عشت نعيم الدنيا، و في لحظة ما، اكتشفت أن صديقك الصامت -مزاجك- لم يتأقلم مع كل ذلك، سيتعكر مزاجك -بكل بساطة- و لن تستطيع الاستمتاع بأي شيء من ذلك كله.
ابدأ عامك الجديد بعلاقة وثيقة مع مزاجك، ولا تجعل أحدا يحول بينك و بينه إلا لو كان من أنصاره، و اعلم أنك لو خسرته و كسبت العالم هلكت، و لو ربحته و خسرك العالم نجوت و رب البيت.