ياسر في الجزيرة:

الجزء الأول: ياسر متجه إلى جزيرة فارسان مع أصدقائه للإستمتاع بإجازته السنوية التي حصل عليها من عمله في شركة والد صديقه، كان قبل ان يذهب قد اخبر والده انه سيقضي بعض الوقت مع أمه في مدينة جدة. وأخبر أمه انه سوف يقضي الإجازة مع والده في المنطقة الشرقية؛ في الحقيقة بعد انفصال والديه قبل أربعة أعوام، وياسر يبتعد اكثر وأكثر عن والديه. ياسر قرر ان يقضي عطلته مع أصدقائه عمر وخالد.

عمر وخالد ليسا أصدقاء طفولة او حتى اقرباء لياسر، هم مجرد أشخاص قابلهم اثناء دراسته الجامعية في كندا؛ بعد التخرج عادوا كلهم سوية وتوظفوا في نفس الشركة الهندسية بحكم تخصصهم الذي جمعهم.

ياسر لم يشعر حقا بأي علاقة خاصة مع خالد وعمر، فهو لم يعتقد انهم أصدقاء مقربين او حتى إخوة، كانوا بالنسبة له مجرد أصدقاء جمعتهم الدراسة ثم العمل، ياسر يعتقد في قرار نفسه أنه ليس بحاجة إليهم؛ فطموحات ياسر اكبر من ان يعمل في تلك الشركة لعام اخر، فهو يريد ان يرجع إلى كندا ويكمل دراسته للماجستير، لذلك يظن ياسر انه بامكانه الحصول على أصدقاء جدد في اي وقت يريده هو، ولعله يحصل على صداقات ذات علاقات أقوى، صداقات مقربة ربما!

على أي حال سافر الثلاثةُ من مدينة الخبر حيث كانوا يعملون سوية لدى الشركة التي يمتلكها والد عمر، إلى مدينة جيزان. حيث ان الطريق الوحيد المؤدية إلى جزر فارسان السعودية الواقعة في الجزء الجنوب غربي من الجزيرة العربية هي عن طريق أخذ باخرة أو قارب متوسط الحجم لهناك؛ بعد ان خرجوا جميعا من مطار جيزان قاموا بإستقالة سيارة آجرة نحو الميناء البحري، كان خالد مسؤولا منذ بدء الرحلة عن المواصلات، من سيارات ورحلات جوية وحتى البحرية، فهو من قام بحجز هذا القارب أو دعونا نقول اليخت الصغير المتجه نحو وجهتهم النهائية؛ وصل الأصدقاء 'الغير المقربين' إلى الميناء، هناك قاموا بدفع الأجرة وإخراج شنط سفرهم متجهين نحو قارب النسيم، نعم 'النسيم' كان إسم القارب! ياله من إسم مبتذل، هذا ما ظنه ياسر. على العموم دخلوا القارب وسلموا على القبطان السوداني والذي ايضا كان اسمه عمر، قام خالد بإلقاء تلك النكتة الغبية الغير مضحكة التي يلقيها كل أحمق عندما يلتقي شخصان يتشاركان نفس الإسم، ضحكوا جميعا مجاملتًا في صديقهم ما عدى القبطان الذي لم يفهم النكتة ويبدو أنه لا يريد أن يفهمها.

على أية حال قال عمر 'القبطان' بأنهم سيبدأون في الإبحار بعد عشر دقائق، هو ينتظر فقط أن يمتلئ خزان القارب لكي يستطيع هو العودة بعد أن ينزلهم للجزيرة؛ مدة الرحلة هي ساعتين ونصف، قرر ياسر أن يأخذ قيلولة قصيرة فقط أخذ السفر من طاقته الكثير، وكان كذلك فـ بمجرد ان حط راْسه على المقعد داخل الكبينة أسفل القارب حتى صاح عمر القبطان بأنه وقت الإبحار.

"اخيرا ياشيخ راح نحرك، إلا أقلّك ايش فيه ياسر شكله مو مضبوط اليوم؟" قال خالد

رد عمر:" لا بس شكله تعبان من الرحلة، تعرف كيف الخطوط السعودية ومقاعدها الضيقة"

في الطريق نحو الجزيرة كان كلٌ من خالد وعمر تارة على اجهزتهم المحمولة وتارة يستمتعون بالمنظر البحري الجميل، نعم فـ برغم انهم مازالو داخل الحدود السعودية، إلا أن منظر البحر كان ساحرًا، كيف لا وربما هذه أول مرة يَرَوْن فيها البحر دون صخور صناعية على شاطئه او حتى أسوار سموه تحيط به!

في طريقهم كانا الإثنين لا يتفانا عن سؤال القبطان عن كل جزيرة تمر بجانبهم، نعم فـ بالرغم من أنهم ذاهبون إلى جزيرة محددة إشتهرت بمناظرها "اللي ما كأنها في السعودية" إلا أنهم ايضا كانوا يمرون بجزر صغيرة غير مأهولة، كانوا يمرون بأرخبيل صغير لم يستحق حتى إسمًا.

السماء كانت صافية ومياه كانت هادئة والرياح كانت جميلة والساعة كانت الثانية ظهرًا؛ سئلهم القبطان وقال ما رأيكم مقابل عشرة ريال لكل شخص منكم سأصطاد سمكة كبيرة لكل شخص وساشويها بخلطتي الخاصة، لا بد آنكم جائعين وربما دائخين من الرحلة؛ وافقوا على مضض واخرج خالد ثلاثون ريالا ودفعها لعمر القبطان، ولعله إستحق أن يدفعها عوضًا عن الجميع مقابل تلك النكتة القبيحة التي ألقاها قبيل الإبحار.

توقف عمر القبطان وبدأ في صيد السمك لهم، عمر القبطان رجل كبير ولكنه يمتلك خبرة تكبره مرتين في الإبحار والبحار، كيف لا وقد حضر هو ووالده أول مرة عندما كان في العاشرة عن طريق البحر لجزيرة العرب والبحر فقط هو ما إمتهنه عمر القبطان، بسبب خبرته البحرية استطاع ان يجد بقعة تتجمع فيها أسماك الهامور الطرية التي تشتهر بها جيزان، خلال اقل من ربع ساعة اصطاد أربعة اسماك، ولان السمك سريع التنظيف والشوي إنتبهوا جميعًا من الغداء خلال نصف ساعة، إلا ياسر طبعًا فياسر يغط في قيلولته القصيرة خصوصا وان أصدقائه لم يوقظوه من اجل الغداء.

بعد مرور ساعة اخبرهم القبطان بأنه بقي من الوقت ساعة إلا ربع حتى الوصول، بدء الجميع بلم حاجياتهم وتنظيف قاذوراتهم، على غير العادة، وذهب خالد لإيقاظ ياسر من سباته البحري القصير، اثناء نزوله للدرج إرتطم رأسه في السقف ووقع على ظهره، كان ذلك بسبب ان القبطان عمر قد إرتطم بقعر البحر المرتفع على غير العادة، نعم كان عمر القبطان خبيرا في كل شي يتعلق بالبحار إلا الإتجاهات! فبعد ان توقف من اجل اصطياد السمك قد أخذ طريقًا اخر غير المفترض له، في العادة سيرجع إلى طريقه الرئيسي ولكن هذه المرة قد ارتطم بشيء جديد تماماً ! أعني من يصدق أن أرضية البحر سترتفع وسط البحر لدرجة ان قارب صغير سيعلق فيها! نعم علق القارب!

عمر القبطان في ورطة، في الحقيقة جميعهم في ورطة! عمر القبطان لم يكن يعلم ماذا يفعل في مثل هذه الحالة، لم يسمع عن شخص قد وقع في هذه الحالة، ياله من شي عجيب، أعني اي الحظوظ تدفع قارب قد ابحر آلاف المرات في نفس الإتجاه أسبوعيا ولمدة سنوات أن يرتطم بأرض مرتفعة في وسط البحر! هنا قرر عمر القبطان أن يستخدم جهاز الإرسال المضاف حديثًا إلى قاربه للإتصال بحفر السواحل، أو حتى لإرسال رسالة قريبة لأي قارب او جهة قريبة منهم؛ لم يستجب أحد! أعاد الكرة مرة اخرى ولم يستجب احد، أعادها عشرات المرات ولا إجابة؛ قرر عمر القبطان أن ينتظر قليلا وأن يعيد الكرة مرتين كل ساعة لعل أن تأتي مشيئة الله بقارب اخر يلتق الإشارة؛ اثناء كان الجميع مذعورًا، كان الجميع يفكر انه سيموت وسط البحر، انه لن يأتي أحد لنجدتهم، انهم ربما سيضطرون أن ياكلوا الحم بعضهم البعض من أجل البقاء، طبعا الذعر انساهم كل ذلك السمك المحيط بهم. مرت الساعات ولا احد يجيب على القبطان عمر، بعد ست ساعات من الإنتظار إستيقظ ياسر، استيقظ ولديه ألم عظيم في رأسه وكتفه؛ إتضح انه عندما ارتطمت السفينة الصغيرة بقعر البحر البارز كان الإرتطام قويةً كفاية ليسقط النجفة المعلقة في سقف الكبينة الداخلية القارب على ياسر والتي جعلته يستيقظ لأقل من ثانية ثم يعود إلى سباته بسبب قوة الألم الذي اصاب رأسه وجعله يُغمى عليه. خرج ياسر لأصدقائه وللقبطان والسماء قد لم يبدو فيها إلا أخر خيوط الغروب البيضاء والصفراء، كانت الساعة السادسة ونصف.

إرتعد ياسر بعدما رأى نظرات أصدقائه حول الوضع الحاصل لهم الآن؛ هنا بدأ يأسر في التفكير وبدأ بالحديث بعقلانية مع القبطان عمر لعلهما يجدان حلاً!

كان الحل المنطقي الوحيد هو ان ينتظروا حتى تشرق الشمس من جديد ثم أن ينزل اثنان من القارب ليقوموا بدفع القارب من تلك الأرضية البارزة الغريبة، لم يكن حلا سيًًئًا، فالقارب ما زال يطفو على الماء، مما يعني ان دفعه وتحركه لن يكون أمرا صعبا، ربما سأيخذ بعض الوقت لكنه ليس بذلك الشيء المستحيل

اتفق الجميع ان ينزلوا إلى الكبينة وان يجمعوا حطام تلك النجفة وان ينامو في الكبينة حتى رب الشمس. شعر خالد بالجوع بعد كل ذلك التوتر وحينها لم يجد إلا سمكة ياسر التي لم يجد الوقت الكافي ليأكلها. اتفق الجميع ان لا يأكل السمكة احد غير ياسر؛ ياسر وافق ان يتقاسمها مع الجميع.

جاء الصباح وفي الصباح رباح. قرر عمر القبطان ان ينزل بنفسه لدفع السفينة ولكنه بحاجة إلى شيئين: بحاجة إلى من يأتي ليدفعها معه وبحاجة إلى يقوم بتشغيل محرك القارب ودفعها عن طريق الميكانيكا الحركية من المحرّك، فكل قارب في وسط المحيط يحتاج الى محرك قوي لدفعه، ولأنهم عالقون بالمحرك وحده لا يكفي ولا الدفع بالأيادي يكفي. إقترح ياسر ان ينزل بنفسه، ظن ياسر ان المياه المالحة لربما تعالج او تخفف قليلا ألم كتفه الذي حصل له بالأمس؛ حينها قال خالد أنه سيقف على عتبة القارب لينقل توجيهات القبطان عمر لمن سيشغل المحرك، طبعًا خالد اختار هذا الدور ليس لأنه دور سهل بل لأنه يعتقد حقًا ان تشابه الأسماء بين عمر القبطان وعمر صديقه قد يعني ان عمر صديقه يمتلك ما يكفي من المؤهلات كي يقوم بتدوير المحرك! لا حاجة للقول بأن خالد لم يكن رجلًا ذكيًا! كيف يكون كذلك وهو الذي لم يستطع ان يجد اي وظيفه إلا في شركة والد صديقه بسبب معدله المتدني.

حصل ما حصل ونزل ياسر وعمر القبطان لأسفل القارب من اجل دفعه، على ما يبدو أنه برغم ان القارب كان عائما على الماء إلا أن مراوح الدفع السفلية هي ما كان قد إرتطم بتلك الأرض البارزة. قام عمر القبطان بدفع المراوح وابتعد عنها، ثم أعطى إشارته لياسر كي يخبر خالد كي يخبر بدوره عمر صديقهم بان يقوم بتشغيل المحرك. اشتغل المحرك بسلام، ياسلام

عاد ياسر بسرعة للقارب فقد كانت المياه باردة وألم كتفه لم يخف كما ظن عن طريق الماء؛ في الجهة الآخرة من القارب كنت المراوح متوقفة فالآتي قام عمر بتشغيلها كانت فقط المراوح اليمنى كما أمره القبطان عمر، ذهب القبطان عمر للمراوح اليسرى ليزيل عنها الطحالب الملتصقة، رأها فرصة بما انه في الماء على أية حال، ولكن بمجرد ما ان رأى خالد ياسر وهو يصعد للقارب، حتى صرخ لعمر بأن يقوم بتشغيل كل المحركات- كما قلنا ياسر رجل غير ذكي- قام بعمر بتشغيل المحركات اليسرى وياسر يصرخ بأن لا يفعل، في أقل من ثانية إمتلأت المياه من تحتهم بالدماء!

نعم، قد مات وقطع وفُرم عمر القبطان!

"يالله!! ايش سويت. لا لا ايش سويت وقف وقف المكينة بسرعة" صرخ ياسر لعمر الذي يقف خلف الدفة، أوقفها عمر ثم قفز ياسر مسرعا لرؤية القبطان عمر، أو ما تبقى منه

عاد ياسر ويديه نظيفة ولكن ملابسه مملوءة بالدماء

بدء خالد بالبكاء، هو لم يبكى لانه شعر انه قد قام بقتل القبطان بغبائه، بل يبكي لانه الآن مؤمن حقا انه لا يوجد شخص يستطيع قيادة القارب نحو الإرض مجددًا!

بعد ساعة من الصدمة والبكاء والصياح والألم القلبي، قرر ياسر وعمر هذه المرة ان ينزلا للماء وأن يجمعوا ما إستطاعوا من بقايا القبطان عمر. فعلوا ذلك وأدخلوا ما تبقى منه الكبينة في الثلاجة الصغيرة هناك. قرر عمر هذه المرة ان يقود السفينة حقا، قد راقب القبطان الميت ما يكفي من الوقت ليعلم أي المقابض قادرة على تحريك القارب. تحرك هذه المرة في الإتجاه الذي جاءوا منه، بعد ساعتين من الإبحار وجدوا أمامهم جزيرة عملاقة، لابد وأن فيها أحد، ظنوا جميعا.

أسرى القارب على ضفاف الجزيرة الكبيرة، نزل الجميع هلعا يبحثون اي مخلوق عاقل يستطيع ان يتحدث معهم وربما يساعدهم، أمسك ياسر يهاتفه المحمول وبدأ بالبحث عن شبكة، لا يوجد! قرر ان يعيد تشغيله، لا يوجد شبكة ايضا؛ قرر المشي لمسافة لعله يجدها وسط الجزيرة، نفس النتيجة

لا بأس، سنمضي كلنا في الجزيرة وسنبحث عن شخص بالتأكيد سنجد المساعدة، فكر ياسر.

دخلوا الجزيرة، بدأو في جميعا في البحث عن شخص يقدم لهم يد العون، إستمر البحث أسبوع كامل، خلال هذا الأسبوع إكتشاف الجميع انهم لم يحكوا على أراض مأهولة، ربما ليست أراضٍ ضمن السعودية أساسًا! مر الأسبوع الاول بسلام، ينامون في الكبينة، يأكلون من خير الجزيرة، وكل ساعة يتم إستخدام ذلك الجهاز الذي كان يستخدمه القبطان عمر للبحث عمن بجيب، وكالعادة: لا مجيب!

الجزء الثاني خلال ثلاث أسابيع من تاريخ نشر هذه التغريدة ان شاء الله

*تحديث* قررت عدم نشر جزء ثاني حاليا لأسباب عديدة منها قدرتي العجيبة على التوقف في إيجاد الأفكار وقت الحاجة:(

@Cani_ibra