" وقد استطاعت ليليث بأحداث ضجةً مرةً اخري بأصدار كِتابها الجَديد -...- ، انها امرأة اليوم! "

كانت تِلك العباره الاولي التي شُقشق بها صباحه، قرأها عِدة مرات مُبتسمًا بحنين ومراره لَم يَعقدُهما مُنذ زمن، عازمًا امره علي الذهاب.

ليليثُ، إمرأه مُتمرسه مُتغطرسه وحالِمه، قَد تُقابلها مره واحده في حياتك، ف لا أحدٌ يُشبهها، ولَن.

انثي ضاجعتها الحياه ولم تَسلمُ مِنها، اكتسبت قوه وخبره تُشكل حولها جِدارٍ عازل للتصدي لأي مُحاولات مُخالفه لقوانينها، تُتوج بالغرور، لديها ما يكفيها لجعل رآسها وعيناها لا تنحيان ماظلت حَيه.

ظَل يُفكر من مِنهُن ستُقابله؟ الطِفله ام المرأه؟ ام ليليث التي عَهدها.

شَرد دانيال عِده ثواني بالمِصعد، ليجد نَفسه يفصله عَنها قطعةِ خشب، تمني لحظتها لو تُذاب كُل فواصِل العالم، كي لا يحجزُ بينهمُا شئ.

وقف امامي، شعرتُ برياحٍ تهُب، فلا يُعقل ان العَصف بقلبي مِن تلقاء نَفسه! جفناي ارتعشا بقَدرِ عَدد المرات التي بقيتُ ابكي فيها وَحدي، ظَل صامتًا حتي تقدم مِني خطوة لآراني ابتعدُ ثلاثة، فإن لقُربه مِني رهبةً فازعة اياي، فأنا اعتدتُ غيابه.

اُشعِلَ بُركانٍ ما بداخلي، لم استطع ايقاف غَليان افكاري، او كَبح مشاعري، شعرتُ وكأنهم يتسربون من بؤبؤ عيناي، لا يُمكنني إخماد النارِ المتأججة داخلي. يا مُنجي، نَچني مِن تلك اللحظة!

شعرتُ بدوارٍ وغثيانٍ مُفاجئ فأنثنيتُ قليلًا مُتمساكةً لأراهُ يَهُبُّ قلقًا ساندًا إيايّ، كاد يقفزُ قلبي من مكانه، كيف لشخصٍ ايقاظ ما جاهدتُ اخمادهِ لسنوات؟ لولا شعوري بالغثيان في وقتها لأنهلتُ عليه بالقُبلات، لأشبعتُ تشقق شفتاي.

لا أعلم كَمّ الثواني التي مَرت علينا صامتين، ولكنها كانت بمثابة ثُقل سنين غيابه ورحيله اجمع حَتي تخلل صوته صَمت امتد لزمنٍ قائلًا " اشتقتُ إليكِ ليليث! اشتقتُ إليكِ وكُنت اظنني لا أشتاق. "

" هل تُدرك كَم هي الوحده موحِشه؟ وكيف ستُدرك الامر وهو لم يخطر ببالك بينما طرق قَلبي آلاف المرات لِما انت هُنا ثانيةً؟ "

بادرته بالسؤال واشحتُ وجهي داعيه الله ان لا يذهب وان لا يبقي، خطيتُ داخل المَنزل لاسمع صوت غلق الباب خَلفي، وما لبثتُ ان التفت لأجده يَضُمني!

كان يبكي كطفلٍ رأي امه اثار حَربٍ خاسِره.

زُلزلت استقامتي، خرت قواي وانفطر قَلبي وهَوي ارضًا، كيف ان يكون حبةُ القلب علي مرمي سَمعي وقلبي يبكي!

هدأ وسَكن وسَكن معه صُخب العالم، لم يبقي سواي مَن تُجاهد لأخماد النار والحَرب، للأستقرار، لهندمة مَظهري، وتنميق حروفي الصغيره، شُلَ نُطقي، وتحجرت عيني ولَم استطع فعل شئ الا النظر اليه، ملئ نظري مِنه.

امسك بيداي وجلسنا ارضًا، ربت عليهُما وكأنه يُربت علي قَلبي قائلًا " اعلم انني مُخطئ، وان ذَنبي لا يُغتفر، ولكن رغم أعوام الغياب كُنت اراكِ في كُل شئٍ جَميل، كُل أغنيه اسمعها، اقتباسٍ من روايه، سحابةً حُلوه، وكنت اراكِ في كُل النِّسَاء! لم اجد شبيهةٌ لكِ ولَم أجدك! وحينها علمتُ انكِ تسكُنيني، وأين الخلاص مِن نَفْسِي يا كُل نفسي؟ "

اغرورِقت عيناي، وضَحكت حتي سَمعت صرير روحي الصدأه

" تأخرتُ كثيرًا يا عزيزي، ما فائدة الدواء بعد صعود الروح لمالِكها؟ "

رأيت لمعة الامل بعيناه تَنطفئ " ماذا تَقصِدين؟ "

" وماذا تُريد؟ اعود؟ ثُم استيقظُ صباحًا لأراك تُخبرني انك مَللتني؟ وان ما افنيته مِن عُمري، وما انفقته مِن روحي، عِشقًا ماهو الا هباءٍ!

لا يا حبةُ قلبي، انك خطيئتي التي لا تُغتفر، ولم ولن احاول، فأنا لا املُك من امري الا ان احبك، بكل خيباتي وجوارحي، بضعفي وخوفي، شغفي وقوتي، انكساري ووحدتي، احُبك واعتدت ذلك كالماء والهواء، وكَما هُما خاليان من الطَعم والرائحه ولا تخلو الحياه مِنهُما، لا يخلي قلبي مِنك "

رَچفت اصابعي، تشاجر فَكي فَمي، ثار جَسدي، ثُم هببتُ واقفه اترنح واتحرك كـ المجذوب، حررتُ ادمُعي واخفيت وچهي، لَم اشعُر بثُقل لساني كما شعرت مُنذ لحظات، حتي انساب الحَديث.

" انني عالقه بالمُنتصف، بين محاولات الهروب مِنك، وايجادك، فأنت تقبعُ بروحي، وتختفي عن بصري، حتي صرتُ ابحث عنكَ في كُل ما وجِدَ امامي، بحثتُ بين اصابع لاقيين التحيه، بين قسماتِ وجوه المُجبين راجيين توقيعي، وايادي المُصفقين ذهولًا بي، في اعيُن النساء علا ان اراك بعين عاشقهً ما، او مُنهزِمه، خشيتُ ان اري آلامي بأعيُن احداهُن، العالم كُله رآني تِلك المرأه التي لا مثيلُ لها، تلك التي لا يهزهمها آلمٌ ولا يُزلزل قواها غزلٍ، كُلما مَدح قواي احدٍ رغبتُ بالصُراخ! الجهش بالبُكاء، اخبارهِم انني اضعفُ من قشةٍ في مهب الريح! مِن امعاء طفلٌ حديث الولاده، انني اضعفُ من ان اتحمُل غزلٍ ومدحٍ، كُنت اسمع صَدي كلماتك بشفاه الرجال ونبراتِهم الجَشه، كُنت ارغبُ بالهروب، بالركض كثيرًا حتي يتغلبني الظمأ فأخلدُ للنوم هالثه دون البحثِ عنك بسقفُ غُرفتي.

انتظرتك ان تُخبرني انك نجحتَ بأيجادك في اسطري وقَلمي، انك تختبئ بين همزات كلماتي، يا ليتكَ وعيتُ مُبكرًا. "

شعرتُ بنحيبه الخافِت، كُنت اعلم ان ذلك اللقاء لن يُكرر، التفتُ وجلستُ في مواجهته، اقتربت مِنه وحركتُ اناملي بخفةٍ علي وجهه، يا الله! كم اشتقتُ ملمسه! وقبلته، قَبلني تمامًا كما قَبلني في اعترافه الاول بحُبه لي، لا يُمكنني وصف تِلك اللحظه الا انني لَم اكُن ارتكزُ علي ارضًا، شعرتُ بأن روحي رقدت بسلامٍ الان، ابتعدتُ عَنه تاركه بقايا روحي بين شَفتيه.

وقفتُ امام المرآه الملم شتاتي، وازيل عَني بقايا _ لِيلِي_ كَما اعتاد مُناداتي، اضفتُ بعضًا من مورد الوجنتين، واحمر شِفاهي، اعدتُ ترتيب بعثرت خُصلاتي، تمرنت علي اداء ضَحكتي ثلاثِ مرات وارتديت مَعطفي، الان انا ليليث، وسأظل.

" لا تعود مُجددًا " كانت تِلك اخر كلماتي قبل شروعي بالذهاب، وردمُ ما تَبقي.