بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة الدكتور عبد الرحمن الطلحي في حفل تكريم الدكتور عالي القرشي بأدبي الطائف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسعد الله مساءكم بكل خير،
كثوب تعرى به الظلُّ
من يمنح الآن إعياءنا ومضات الصداقة....؟
ومن سوف يفهم كيف تكون العلاقة
طهر العلاقة....؟
ومن سوف يقرأ كلّ الفروق التي تتندى بنا
بين صوت الحنين وتلك الأناقة...؟!
...............
كماء تدفق من أول الدرب
يسقي الرؤى ظمأ العابرين
ويسأل عن موطن لم تطأه الجيوش التي
خرجت لاحتلال الحنين
ترى كيف تنبت هذي الزهور
على شرفة يتبرأ من ظلها الياسمين...؟
وحدها تخطو على الماء.
تلك هي الصداقة التي حدت بمنظمي الاحتفالية إلى حسن الظن بصداقتي معه والكتابة عنه الليلة، وإن كنت لا أحفل بحسن ظنهم بقدر ما أحفل برد الوفاء له.
وليتني أستطيع!! لأني لم أكن بقدر وفائه لهذه الصداقة. وأخاف أن أجني عليه.
وقد عرفته أول ما عرفته مسكونا بهم الثقافة والنقد.
عرفته منذ أكثر من عشر سنوات، في أول لقاء لي معه أهداني كتابه (المبالغة في البلاغة العربية)، عرفت حينها رغبته الصادقة في ربط الصداقة بالثقافة والمعرفة دون سواها.
عرفت إنسايبيته الخلاقة التي عرفها كلُ من التقاه، عرفها كل من تعامل معه عن قرب، عرفها بحق ووعاها بصدق كل من اختلف معه.
يحمل الكثير من الصفات الإنسانية التي جسدها في تعامله الرفيع مع أصدقائه. تلك النفس الإنسانية التي جسدها في تعامله الرفيع مع أصدقائه. تلك النفس الإنسانية الخلاقة الأكثر رحابة، التي تستطيع أن تجري داخل ذاتها، تلك التي تكون أكثر حميمية وقت اللقاء، وأكثر حتمية وقت المواقف.
هذه الإنسانية التي لمسها الجميع في التعامل معه متناغمة مع إنسانيته في الكتابة، والبحث في خلجات النفس الإنسانية، ليعلن أن هدفه الإنسان، والدفاع عن إنسانيته، وهذا ما أعلنته المقالة التي نشرت في صحيفة عكاظ، وضمنها كتابه (أنت واللغة) تحت عنوان (احتفالية غياب الإنسان) مؤكدا على اختفاء جوهره وبروز ما (يغلف وجوده من تعلق بالمظهر، وانزياح عن الأعماق إلى ملامسة السطحيات).
- فرض عليه خلقه أن يكون أكثر امتنانا لوجود أولئك لم يقرءوه ولم يفهموه، أو حتى قرءوه وخالفوه، تجاوز عن تلك الإساءات الصغيرة منها والكبيرة.
يتهلل ويتبسط لرؤية كل وجه... حتى رسم ببشاشته وحسن أخلاقه صداقات متنوعة أقربها إليه أصدقاء الثقافة وهم كثر وأتمنى أن أكون أحدهم. أما الأصدقاء المزعومون فهم غالبا أصدقاء محايدون، غالبا ما يتمنون له حظا سعيدا... أما الأصدقاء المزيفون فهم وإن أظهروا صداقتهم إلا إنها سرعان ما تتهاوى، وحينها تنكشف ألأقنعة في محك الحوار ورسم المبادئ وممارستها فعلا، وهم قلة على ما أعتقد.
عرفته قليل الكلام إلا إنه يبهر من يحدثه بسعة ثقافته. لا ينطق بكلمة ولا يلقي بنظرة إلا وتكون في ثناياها بواعث روحه الخلاقة التي جعلت محبيه يلتصقون به بصفة أكثر حميمية وهم أكثر إنصاتا وإصغاء وتمتعا بمذاق الرغبة العارمة في المشاركة.
مفعم بآمال لا تطالها التسمية، ممتلئ بالإرادة في تحقيق الذات.
من هنا جعل لمنتدى عكاظ في جمعية الثقافة والفنون وجودا وحيوية وحضورا، مكنت الجيل الصاعد من الانتصار على الأسواق الشائكة، وخوض المغامرة وتقصير المسافة للحاق بركب الكبار.
سلط الضوء على تلك الدهاليز المظلمة، فأشعل جذوة التنوع لتشمل كافة الأنواع الإبداعية من الفن التشكيلي إلى الشعر الشعبي.
ليس عن وعي بمفهوم الثقافة الواسع فحسب، بل عن فهم عميق لمكونات تلك الثقافة وتنوعها ورؤية واسعة لمسار الثقافة وقيمها. ففتح أمامهم أفقا وفضاء جديدا من أجل أهداف جديدة، أكثر حيوية لا بل أكثر مرحا لإنسان الزمن الراهن.
يجد المتعة في الكتابة، لا يخشى من الرفض لما يكتب، في الوقت الذي كان كان يلتزم الخطاب زعزعة التوازن في مجمل الكتابة الأدبية، لا يخش أن لا أحد يقرأ ما يكتب، لإيمانه بأن الفعل الكتابي يشق طريقه إلى ذهن المتلقي\المشارك في المنجز، أو الواقف عن قرب بحيادية يرقب الأحداث ويرصدها، أو حتى ذلك الذي يقف بعيدا حاملا لواء الحرب بيد والسيف بأخرى.
عرفته – كما عرفه الجميع – الناقد المعاصر الذي يسعى بمنهجية حديثة لرؤية عصر حديث، تختلط فيه المفاهيم والقيم، حاول أن يرسم بعقلانية المثقف الواعي أسس منهج النقد الحديث بالنظر إلى هوية النص واستجلاء مكنوناته.
حاضرا في الساحة الثقافية: في الأندية الأدبية\ في الصحافة المحلية\ في الملتقيات الأدبية والثقافية داخل المملكة وخارجها.
ينحت في جسد الثقافة\ يعيد البناء\يمسح الغبار عن ذلك الجسد المتهالك لا يكلّ ولا يتوقف\ يؤمن بما يقوله ويدرك صعوبة السير فيه\ ضحى بالكثير في سبيل مبادئه ورؤاه، وإن كنا لا ندرك حجم الثمن الذي يدفعه من أجل البقاء. مع تحمل المسؤولية في التقدير الرفيع الذي منحه للحركة الثقافية. فهو يطالعنا في كتابه (أنت واللغة) على خوض تلك المغامرة والمشاركة في الفعل الثقافي والكتابي مع أولئك الذي (ترغمهم حياة الكلمة على شفاههم على التفوه بها) على حد قوله.
هذه المغامرة في التعاطي مع اللغة أسسها على إدراكه بحيويتها ونبضها الدائم، وعطائها المتدفق، فأخذ على عاتقه الخوض في مضمار تلك اللغة النابضة وتعرجاتها وإشكالياتها وقلقها، وكشف كينونتها في النص الإبداعي.
لقد تعاطى مع الفعل الكتابي على المستوى النقدي وفجر كوامن اللغة ودلالتها، ولعل كتابه (طاقات الإبداع) تتويج لهذا التعاطي، مما يحمد له فيه أنه جعل منطلق طاقات الإبداع النص السعودي الحديث.
لم يكتف الناقد بفعل اللغة في المجال النقدي، بل فاجأ الجميع بفعل اللغة الإبداعي.
يقول في نص له جعله فاتحة كتابه (نص المرأة \ من الحكاية إلى كتابة التأويل).
النص 1
هكذا هو وحده هي حاله، لم يكتف بمعاقرة اللغة وكشف مكنونات النص الإبداعي، حتى لهجت ذاته بمكنون اللغة وصراخها داخله، لينجز لنا مثل هذا النص.... فهو الناقد الشاعر \ الشاعر الناقد... الذي يعي مفهوم الشعرية ( وما يكمن في الشعر من وعي يحتضن الأشياء، ويمنحها بعدها الشعري المتفرد).
وهو الذي يدرك مدى الموافقة والمخالفة بين الخطابين في الوعي بالمسألة الشعرية.
لن تكشف هذه الورقة ولا حتى أوراق عدة عن مكنوناته وخلجات الذات التي رسمت شخصه وإبداعه وتميزه وتفرده.
في مساء قصير سرقه الوقت هذه الليلة من الزمن الفائت، ليكون احتفاء به في مكان عاقر فيه الثقافة\ رسم أبعاده \ فهو أحد أعضاء مجلسه \ طالما اسهم بثقافته وتعاطيه معه.
فهو اليوم يحتفي به، وحق له أن يفعل، واستحق هو هذا الوفاء لكنه يقول
النص 2
هل لا زلت خائف؟! ربما!!
لأني حقا جنيت عليه...
واستميحه عذرا، وأستميحكم العذر أيضا.
فهو عال مثل اسمه، عال في همته وسمو أخلاقه وتعامله.
----------------------------------------------------