يتداول الكثيرون على مواقع الفيسبوك ومنذ أشهر عدة صورا لمذابح مروعة، يقولون أنها بحق المسلمين في بورما، وفي ذيل كل صورة طلبٌ لنشرها وتعميمها، مع تعليقات متنوعة تنادي بالثأر للضحايا، ووقف أعمال التطهير العرقي، وإدانة حكومة بورما وشعبها البوذي .. شخصيا لم أتفاعل مع هذه الحملة الدعائية الموجهة، لسبب واحد بسيط هو أنها تحتاج لبحث لتقصى الحقيقة؛ وقد أثارت في نفسي العديد من التساؤلات، وانتظرت كثيرا حتى أتبين الحقيقة، قبل أن أعلق عليها.
قد تكون هناك في إقليم ميانمار أحداث شغب، أو أعمال عدوانية ذات طابع عرقي أو طائفي، أو صراع على السلطة، أو مطالب شعبية جوبهت بالقمع والتنكيل ... وهذه تحدث كل يوم، وفي مختلف بقاع العالم، وعادة يتم تغطيتها إعلاميا، ويتجاوب معها المجتمع الدولي بصورة أو بأخرى. لكن من الصعب التسليم بأن مذابح مروعة تجري بحق المسلمين هناك، وقد تجاوز عدد القتلى الخمسين ألف، ومنهم من يقول المائة ألف .. ولم تقم أي وكالة أنباء محترمة بنقل أي خبر عن هذه المذابح المزعومة !! وكل المعلومات التي بحوزتنا مصدرها مجهول، وهي غير موجودة إلا على شبكة الإنترنت وصفحات الفيسبوك، وحتى الصور المنشورة، يُلاحظ أن مصدرها الإنترنت، ولم أجد صورة واحدة موقعة باسم مصورها، أو باسم وكالة أنباء معروفة، وهي صور غير واضحة، ومجتزأة. وبعد البحث تبين أنها التقطت لأحداث أخرى جرت بعيدا عن بورما، منها صور لزلزال هاييتي، أو لكوارث حصلت في الصين وغيرها.
تتوزع جماعات ميانمار العرقية في جميع أنحاء البلد منذ قديم الزمن. وهم يعيشون متحدين في سلام ووئام منذ زمن ملوك ميانمار القدماء. بالمقابل فقد إهتم ملوك ميانمار بأصحاب الديانات الأخرى من خلال التكرم ومنحهم فرص متكافئة في الدين والعلاقات الإجتماعية والإقتصادية مساوية للتي منحت للبوذيين. وكما هو معروف ولتمكين موظفي جلالة الملك بالوفاء بالتزاماتهم الدينية، فقد سمح ببناء مساجد ذات نموذج أراكاني ومندلائي وبانثائي وكذلك سمح ببناء الكنائس المسيحية وذلك لأداء الواجبات الدينية منها خلال تعاقب ملوك ميانمار. وفي فترة حكم الملك البوذي الخامس الملك مندون (1854-1878) فقد بنى إستراحة الطاووس في مكة المكرمة لحجاج ميانمار المسلمين بحيث يكون نزل مريحاً خاصاً لهم خلال فترة بقائهم بالحج التي تدوم شهر ونصف. وكانت تلك واحدة من أفضل الإنجازات في تاريخ ميانمار حيث تبين إهتمام ورعاية ملوك ميانمار لرعاياهم المسلمين بدافع الخير. لذا فقد وضعت الحكومات المتعاقبة منذ عهد ملوك ميانمار القدماء حتى يومنا هذا جميع الديانات الرئيسية الأربعة على قدم المساواة في التعامل. بحيث سمح لأتباع كل دين بمزاولة شعائرهم الدينية وأداء واجباتهم بحرية. وتستند ثقافة ميانمار على التعاطف والمحبة، فأتباع الإسلام والمسيحية والهندوسية في ميانمار هم أناس مخلصون مثل بوذيو ميانمار.
الإضطهاد
أول ظهور للإضطهاد كانت لأسباب دينية وقعت في عهد الملك باينوانغ 1550-1589 م. فبعد أن إستولى على باغو في 1559 حظر ممارسة الذبح الحلال للمسلمين، وسبب ذلك هو التعصب الديني، وأجبر بعض الرعايا للإستماع إلى الخطب والمواعظ البوذية مما يجبرهم لتغيير دينهم بالقوة. ومنع أيضا عيد الأضحى وذبح الأضاحي من الماشية. وقد منع أيضا الملك ألاينجبايا الأكل الحلال في القرن الثامن عشر.
وفي عهد الملك بوداوبايا (1782-1819) قبض على أربعة أشهر أئمة ميانمار المسلمين في مييدو وقتلهم في العاصمة أفا بعد رفضهم أكل لحم الخنزير. ووفقا لأقوال مسلمي مييدو وبورما فقد مرت على البلاد سبعة أيام مظلمة بعد إعدام الأئمة مما أجبر الملك على الاعتذار واصدر مرسوما باعتبارهم أولياء صالحين. ثم اندلعت توترات عنصرية بين العرقية البورمية وبين المهاجرين الهنود والسلطة البريطانية. وتحولت المشاعر البورمية ضد هؤلاء بأنهم أجانب وشملهم المسلمون من كافة الأعراق
بدأ البوذيون إبادة جماعية أخرى في ولاية راخين في يونيو 2012، بعد أن صرح رئيس ميانمار ثين سين بأنه يجب طرد مسلمي الروهنجيا من البلاد وإرسالهم إلى مخيمات لللاجئين تديرها الأمم المتحدة. بدأ كل شيء في 3 يونيو 2012 عندما قتل الجيش البورمي والغوغاء البورميون 11 مسلم بدون سبب بعدما أنزلوهم من الحافلات، فقامت احتجاجات عنيفة في إقليم أراكان ذو الأغلبية المسلمة، فوقع المتظاهرين ضحية استبداد الجيش والغوغاء، حيث ذكرت أنباء بمقتل أكثر من 50 شخصا واحراق آلاف المنازل حيث اشتبكت عرقيتي روهنغيا المسلمة مع البوذيون الأركان بغربي بورما.
عملاء الفتنة
راجت فكرة أن الرهبان هم من أثار الشغب، ولكن يبدو أن تلك الفكرة غير مقنعة، فبعض تفاصيل الأحداث تجعلهم دون ذلك المستوى. فالخوف الكبير في بورما يأتي من جهاز المخابرات العسكرية المسمى مديرية استخبارات الأمن والدفاع، فالكل يعلم أن له جواسيس يعملون تحت رداء الرهبنة. فقد ذكرت منظمة حقوق الإنسان أن في أحداث شغب 2001 كان الرهبان يحملون هواتف نقالة، وهذا ترف غير متوفر للشعب البورمي، حيث أنه لا يمنح ذلك من خارج الاتصالات الحكومية إلا إلى القليل جدا من الناس. وقيل أيضا أن هناك انقساما ظهر جليا بين الرهبان مثيري الشغب والذين رفضوا الانجراف في الفتنة. وتعتقد هيومن رايتس وغيرها من المنظمات من أن تلك الحقائق قد اكدت وجود عملاء الفتنة بين الرهبانالتطهير العرقي والديني والإبادة الجماعية للمسلمين فهي مستمرَّة ولم تنقطع، في ظلِّ عُزلة الإقليم عن العالم بالإضافة إلى أن جميع حُكَّام المناطق التابعة للإقليم من البوذيين، أما مَن تبقى من المسلمين فإنه يُتَّبَع ضِدَّهم سياسة الاستئصال عن طريق برامج إبادة الجنس وتحديد النسل فيما بين المسلمين.
هذا إضافةً إلى عمليات الإغتصاب وهتك العرض في صفوف المسلمات اللاتي يموت بعضهن بسبب الاغتصاب، كما يتمُّ إجبار المسلمين على العمل بنظام السخرة في معسكرات الاحتلال، وتمَّ نقل مئات المسلمين من وظائفهم، ويُمْنَع أي مسلم من دخول الجامعات والكليات.
كما أصدرت السلطات قرارًا بحظر تأسيس مساجد جديدة، وعدم إصلاح وترميم المساجد القديمة، وتدمير المساجد التي تمَّ بناؤها أو إصلاحها خلال عشر سنوات منصرمة في الإقليم، وبموجب هذا القرار فإن السلطة هدمت إلى الآن أكثر من 72 مسجدًا، و4 مراكز دينية، واعتقلت 210 من علماء الدين وطلبة العلم، وقتلت 220 مسلمًا.
وفي ظلِّ عدم وجود دولة إسلامية مجاورة قويَّة تتبنَّى قضية مسلمي أراكان يستغل النظام البورمي الفرصة بين الحين والآخر لتشريد المسلمين، ونهب ثرواتهم وممتلكاتهم في أراكان، مما يضطرهم للهجرة
ونحن طبعا، ضد إضطهاد أي إنسان، أو تعذيبه أو حرمانه من حقوقه، وندين بأشد العبارات قتل أي إنسان مهما كانت ديانته أو عرقه .. أيها السادة لا نريد أن ننسى أن فلسطين ما زالت محتلة، وأن شعب سوريا يُذبح، وأن العراق بات كومة أنقاض، والسودان تم تقسيمه، وأمريكا تعربد في المنطقة بلا حسيب.
وفى الخاتمة يجب أن نتعلم ألا نسمح للأخرين بتجيشنا وصرف أنظارنا عن مشاكل الأمة اسلاميا وإجتماعيا وسياسياً.