Image title

د. علي بانافع 

     جاءني مقطع ڤيديو على الواتس من أخٍ حبيب كبير القدر عزيز المقام لرجلٍ تقاعد مبكراً منذ سنة، ويقول لم أُسجل هذا الڤيديو إلا بعد سنة من التقاعد، لتكون الأحكام عن تجربة وملاحظة -وإن كانت قصيرة- يقول: "بأنك بعد التقاعد -ويقصد التقاعد بعد السن القانوني- لن تجد أحداً من زملاء العمل يتصل بك إلا نادراً، سيتراجع زملاء العمل كثيراً جداً بعد أن كانوا في أولويات تفكيرك وعقلك وهاتفك، ستجد نفسك مضطراً لمراجعة الجهات الرسمية بعد أن كنت تُنهي معاملاتك بمكالمة هاتفية، ستجد نفسك عاجزاً عن خدمة من يطلبك إذا كنت قبل التقاعد صاحب منصب أو جاه، وباختصار شديد ستنقلب الحياة بك رأساً على عقب.

     التقاعد نعمة عظيمة إذا أحسن المرء استغلاله وفي الحديث الصحيح الذي رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ) [صحيح البخاري: 6412]. التقاعد كما يقال: "قاتل" كم الأضرار التي يُسببها التقاعد والارتكاسات النفسية -التي لا حصر لها- وأخطرها إحساس المرء بالعدمية، وهذا شعور خطير يحس به المتقاعد إذا قال له أحدهم -ولو مازحاً-: "أنت مالك لازمة". أضرار التقاعد متعددة الجوانب وهذا موضوع طويل الذيل ويحتاج لمتابعة ودراسة ميدانية، لكن الحسنة الوحيدة للتقاعد أنه يكشف لك غطاء الكذب والدجل في الوسط المُحيط بك أثناء عملك، فتكتشف أنك قد بالغت كثيراً حين أعطيت لبعض الأشخاص والأشياء مكانة لا يستحقونها، أو لأنك فهمت حقيقة الدنيا فأدركت الحقيقة: "كله رايح".

     أحسن إلى الناس في عملك تُحسَن عاقبتك وتَحيا أبدا بعد التقاعد بخير، بون شاسع بين من يتقاعد وكل من حوله من الصالحين والمُصلحين يبكون حزناً على فراقه وهم يثنون عليه خيراً، وبين من يتقاعد وكل من حوله من السُعداء والاشقياء يهللون -على سواء- فرحاً بنهايته ولا يذكرون له صالحاً قط، وفرق كبير بين من يتقاعد وقد ترك أثراً طيباً في كل مكان سيُذكر به خيراً كُلما أتى الناس على ذكره من بعده -على مر الزمان- وبين من يترك أثراً سيئاً حيثما حل وارتحل، كُلما نسيه الناس جاء من يُذَكِرَهُمْ به ويَنبش جوانب لم تُنبش من ذي قبل بشأن آثامه وسيئاته النكراء ليزيد عليها أخرى لم تُسلط عليها الاضواء الكاشفة من قبل، وفي هؤلاء يصدق قول قائلهم:

عاشر بمعروفٍ فإنك راحــــــــــــــــــــــــلُ                       واترك قلوب الناس نحوك صافية                       واذكر من الإحسان كل صغيــــــــرةٍ                         فالله لا تخفى عليه الخافيـــــــــــــــــــة                              لا منصبٍ يبقى ولا رتبٍ هنــــــــــــــــــا                       أحسِن فذكرك بالمحاسنِ كافيـــــــةْ                      واكتب بخطك إن أردت عبــــــــــارةً                              لا شيء في الدنيا يساوي العافية