أحيانًا يكون الصمت مخيفًا ومربكًا أكثر من الضجيج فحينها قد تسمع وللوهلة الأولي صوت الصمت.. التوتر يشتعلُ في الأرجاء والعرق يكاد يخنق الأنفاس.. خفقت القلوب وبلغت الحناجر وخشعت الاصوات وعنت الوجوه وشخُصت الأبصار.. كل تلك المناظر كانت علي الجهتين وعلتْ تلك المشاعر علي وجوه الفئتين، فئةٌ تقاتل في سبيل الله وأخري تقاتل في سبيل هواها.. بدأت العاصفة بعد صمتٍ كسرَهُ وقع الطبول..
صيحاتٌ هنا وهناك و "الله أكبر" تعلو في السماء،
تناثرت الأشلاء وتقطعت الأطراف وتكسرت العظام فلا تسمعُ إلا صوتُ تحطمها.. وفي وسط تلك المعمعة وصهيل الخيل وسليل السيوف جنديان يقاتلان جنبًا الي جنب.. يخافُ كلُ امرءٍ علي الأخر يفديهِ بروحه..
يُصابُ أحدهم فيهرول الأخر اليه بشربة ماء تمرُ ذكريات حياتهِ أمام عينيه فيعود الي صباه يوم كانا يتسابقان في ركوب الخيل والرماية.. تعيدهُ شربة الماء الي الواقع مرة أخري ليري حزن صاحبهُ عليه ويري الخيول هنا وهناك والسيوفُ وسليلُها يقرع طبول أذنيه ليعود بالذكريات مرة أخري ليسمع طبول عُرس كلٍ منهما كم مرت عليهم السنون وهما يقاتلان جنبًا الي جنب ليس في غضم المعارك التي تنتهي بما تقولهُ السيوف فحسب بل يقاتلان أمام صعوبات الحياة وابتلاءات القدر.. يُقِظهُ صاحبه ليري الغبار قد تجمع وتخفت الأضواء لحظة بلحظة..
يمسح أحدهم دموعه ويبعد الغبار عن جلبابهِ ويهز رأسهُ لتضيع الذكريات في ثنايا عقلهِ ويخرج من المقابر بعد مرور ثلاث سنوات علي تلك المعركة