غطّت السُحب السماءَ وتخلل سقوط الثلج بضع لألأٍ من الماء لم تتثلج بعد.. توقف الثلج عن الهبوط، وتوقفت الرياح عن مداعبت تلك الخُصيلات الذهبية التي تتلألأ في ضي النهار بالرغم من عدم وجود أشعة الشمس، عينان خضراوان وشعرٌ ذهبي تتجمع خصيلاتَهُ برابطة جميلة ذات لون بنفسجي يناسب ذلك الفستان الذي ترتدية تلك الفتاة ذات العشر سنوات.. تمسكُ بدمية صغيرة يبدو عليها مظاهر الاهتمام الذي انصّبَ عليها من صاحبتها.. تهرولُ هنا وهناك، يأتي صدي صوت ضحكاتها بين الفنية والآخري ليضيف لمسة الجمال الأخيرة في ذلك المشهد..
ربما لو استمر المشهد هكذا لمدة أطول لقلنا أن قوانينَ الحياة قد اختلت ولسألنا أنفسنا أين ذلك المشهد التراجيدي ولماذا تأخر؟! هكذا كأننا نري أنهُ لابد من وجود الصعوبات والمتاعب حتي لتلك الصغيرة..
حسنًا؛ كما تريدون.. لابد من اللمسة السريالية في ذلك المشهد الجميل ليضيف عليه لمسه الواقعية - في نظركم - كانت تلك اللمسة تنحصرُ في سيارة مسرعة يقودُها شاب متهور أطاحت بالفتاة لأمتارٍ بعيدة دون عناء.. سقطت الدمية لتنقطع رجليها الصغيرتين كصاحبتها.. ذكرياتٌ تمرُ هنا وهناك يأتي علي خاطرها تلك اللحظات في المستشفي حين يضع الطبيبُ جهاز التنفس الاصطناعي وتجري الممرضة مسرعة لتفتح غرفة العمليات.. تغمضُ عينيها بقوة وكأنها جهاز تحكم عن بعد لتأتي ذكري أخري حين أفاقت من العملية لتصرخ وتسأل والدتُها عن دميتها الصغيرة والأهم عن قدميها.. تجري الخواطر والذكريات هنا وهناك تتذكر ذلك الكرسي الملعون الذي جلست عليه أكثرُ من خمسِ سنوات.. ذكري أخري عن أول يومٍ لها في كلية التربية الرياضية ونظرتُها لنظيرَتُها من الفتيات وهنّ يركضنّ كالعاديات.. لتأتي ذكري تمحو ذلك السواد الذي غطي علي ملامح الحياة حين قررت أن تصبح عدّائه بعد أن وضعت أطرافًا صناعية..
تمسح إحدي الفتيات حبات المطر الساقطة علي جبينها وتهز رأسها لتخرج تلك الذكريات، لتعطي اهتمامًا بالغ لصافرة الحكم لبدء سباق المئة متر لذوي الإعاقة..