اليزبث لوفتس عالمه امريكية متخصصة في علم النفس المعرفي وخبيرة في الذاكرة البشرية. وقدأجرت أبحاثا واسعة حول سهولة تشكل وتغير محتوى الذاكرة البشرية. وقد اشتهرت لوفتوس بتجربتها المثيرة على الذاكرة وكيف انها يمكن ان تتغير تبعا لصياغة الاسئلة, والكثير من الدراسات ذات العلاقة : " تأثير المعلومات الخاطئة والذاكرة شاهد عيان مضللة" وكذلك " طبيعة الذكريات الكاذبة" والكثير من الدراسات حول الذاكرة ومراحل الطفولة, والعنف والاعتداءات الجنسية واثارها على الاطفال وارتباطها بالذاكرة. ولوتس لازالت منخرطة بشكل كبير في محاولة تطبيق ابحاثها على الاجراءات القانوينة, وقد تم استشارتها او زودت خبراء التحقق من شهادة الشهود في مئات القضايا القانونية..في عام 2002، تم وضعها في المرتبة 58 من بين الـ 100 المسجلين في لائحة علم النفس العام والتي تعتبر ابحاثهم في مجال علم النفس الاكثر ثاثيرا في القرن العشرين

واحدة من أولى الدراسات المثيرة التي أجرتها والتي نحن بصددها بعنوان "إعادة بناء المركبة المحطمة" والتي وجدت من خلالها أن الطريقة التي تصاغ بها الاسئلة تغير محتوى الذاكرة او الذكريات, وكانت خطوة لوفتس الثانية هي التحقق من ما اذا كانت الاسئلة ايحائية او ذات معلومات مظللة بصيغة معينة قد اثرت كذلك على ذاكرة الناس بطريقة مختلفة عما في الحادثة الاصلية..وللاجابة على تلك الاسئلة فقد طورت ما يعرف بـ نموذج تأثير المعلومات المضللة"

والنموذج يوضح ان ذاكرة شهود العيان لحادثة معينة تتغير بعد تعرضهم لمعلومات او اسئلة ذات مفردات مضللة او خاطئة حول الحادثة, وخلصت الى ان الذاكرة مطواعه ومرنه ومفتوحه لكل الاقتراحات او الايحاءات.. وقد اصبح "نموذج تأثير المعلومات المضللة" واحدا من اكثر التاثيرات المؤثرة المعروفة على نطاقا واسع في علم النفس.

التجربة.. الذاكرة البشرية قابلة لتززيف الواقع...؟

تجربة تحطم السيارة

مثل بعض افضل التجارب, بالرغم من بساطة دراسة لوفتس و بالمر (1974) الا ان تطبيقاتها كانت عميقة جدا. فأولى تجربتيهما كان هناك 45 مشارك عرض عليهم فلم لحادث سيارة, 9 من هؤلاء المشاركين سئلوا  بعد ذلك هذا السؤال المحدد: "كم تقريبا كانت سرعة السيارة عندما ضربت احداهما الاخرى؟"

وقد سؤال الاربع المجاميع الاخرى المكونه من 9 مشاركين لكل مجموعه سؤال متطابق تقريبا ولكن مع فارق واحد مهم, فبدل من كلمة "ضرب" استخدم كلمات مثل "سحقت, اصطدمت’او تعاقدت او اتصلت"

وكانت اجابات المشاركين للاسئلة التي استخدمت فيها كلمة " سحقت" قد قدروا بان السيارتين كانت تسيران بمعدل تقريبا 10 ميل بالساعة اسرع بالمقارنة مع الاجوبة التي استخدمت في اسئلتها كلمة " اتصلت او ارتطمت" فيما تراوحت الكلمات الاخرى بينهما..

فماذا تحكي لنا هذه القصة؟ ربما لان الناس لا يستطيعون عادة قياس سرعة السيارة بشكل جيد, فربما المشكلة في تلميحات المختبر الذي سالهم. فأذا سأل المختبر السؤال مستخدما كلمة " سحق" فان المشاركين يفترضون بانها كانت تسير بشكل اسرع مما هي عليه في حال  سألهم مستخدما كلمة "تعاقدت او اتصلت"

لكن في الدراسة المتابعة بدأت الامور اكثر اثارة للاهتمام, فقد تقرر اعادة نفس التجربة تقريبا, لكن بمشاركة 150 مشاركا. ومع ذلك، فانه قد طلب من المشاركين تعبئة استبيانات حول الحادث الذي شاهدوه في الفلم, وطلب بعد ذلك منهم العودة بعد أسبوع.. وكما في الدراسة السابقة، كان السؤال حول سرعة التصادم وقد كانت اجوبتهم متفاوتة بين المجموعات. بعضهم قرأ "ضرب" واخرين "سحق او حطم" وهلم جرا

بعد أسبوع واحد عاد المشاركين, وطلب منهم ملء استبيان حول الحادث وكان السؤال كما في السابق الا انه يتضمن سؤالا اخر مهما جدا:

فكان السؤال: "هل رأيت أي الزجاج المكسور؟" فالزجاج المكسور يدل على ان الحادث كان خطيرا او اكثر خطورة,.وبالتالي سرعة اكبر.وقد توقعت لوفتوس ان المجموعة التي استخدم في سؤالها كلمة 'سحقت' ستكون اجاباتهم وبأحتمال كبير تشير الى انه كان هناك زجاج مكسر, بخلاف المجموعات الاخرى التي لم تتذكر زجاج مكسر, وهذا بالضبط ما وجدت في دراستها..

وتؤكد اليزابث لوفتس استاذة الطب النفسي في جامعة يو دبليو, ان الذاكرة البشرية لا تعمل مثل كاميرة الفيديو, فهي بعيدة من ان تكون موثوقة تماما, فالناس كثيرا ما يعانون من اختلاط ذكريات مختلفة لحادثة معينة, وتحدث لهم فراغات في ذاكراتهم ما يجعلهم يملؤنها بكلمات او قصص مضافة غير واقعية, ويقومون بخلق ذكريات بناء على الايحاءات من الاصدقاء او مما قيل اثناء وقوع الحادثة. وعلى مدار العشرين سنة الماضية اجرت اليزابيت ووثقت الكثير من الابحاث الرائدة التي تناقش الاليات التي تحدث ذكريات زائفة.

هذه التجربة مع بساطتها الا انها تعد من اهم التجارب في علم النفس المعرفي والتي غيرت بشكل جذري مفهوم المعرفة البشرية بحيث -منحتنا مزيدا من الوعي للبحث في جوانب معرفية اخرى تتعلق بسلوك الانسان وعلاقة هذه السلوكيات بما يدور في ذهنه..!

التجربة -2 - .. الذاكرة البشرية قابلة لتززيف الواقع...؟

طبعا اطلعت بشكل سريع حول الكثير من الابحاث المتابعة والتي تؤيد هذه النظرية وتتعمق بشكل اوسع حتى قيل ان الذاكرة تزيف الواقع بعد مضي فترة بين سنة وخمس وكلما تقدم الانسان في العمر وطالت المدة فان التزييف يكون اكبر..

والكثير من القضايا في المحاكم الامريكية الموثقة, واخر مالفت نظري تجربة احد اساتذة علم النفس مباشرة بعد حدوث ال ناين اليفن, او حادث سقوط البرجين في امريكا بأعتبار الحدث لا يمكن ان ينسى ..!

طلب الاستاذ من مجموعة من الطلاب الاجابة على ماذا كنت تعمل حين وقوع الحادث, وقد اجابوا على السؤال واحتفظ باوراق الاجابات, وبعد سنتين, تم استدعاء الطلاب, وطرح ذات السؤال, وكانت الاجابات جدا مختلفة بشكل جذري, من بيينها ان احد الطلاب ذكر ان الحادث علم به بينما كان يحتفل مع زملاءه في الكنيسة, وفي اجابته الثانية بعد سنتين, قال انه تلقى الخبر اثناء تواجده في بيت زميله..!

على فكرة نظرية اليزابث احدث صدمة عنيفة لدى وزارة العدل الامريكية ولازالت, ربما اتحدث عن هذا الجانب لاحقا..

الذاكرة البشرية قابلة لتزييف الواقع ...؟؟

د.سالم  م. القحطاني