يظل الرجل حرا حتى يحب . يرى الشمس بكل ألوانها ويرى القمر مغنياً ضاحكاً . فإذا أحب غربت كل شمس إلا شمساً واحدة وأظلم كل قمر إلا الذي يسكن قلبه . وهانت عليه كل حياة سوى حياة حبه . حتى حياته هو وحياة من يحب تذوى أمام حياة حبه . والتضحية بأيهما أسهل عليه من التضحية بالحب ذاته .
فحب المرأة وحب المال . حب السطوة وحب الشهوة ليس الا ضعف للإنسان وإن اختلفت فيه الطرق
.
شخصية شكسبير الأساسية في المسرحية هو أنطونيوس. فهو (( شخصية تنطوي على صراع حاد متعدد الجوانب يمكن أن يكون مجالاً طيباً لتصوير صراع مسرحي في نفس بطل ( نبيل ) تقوده نقطة ضعيفة على الهاوية ، لذا وَجَّه شكسبير اهتمامه على هذه الشخصية وبدتْ كليوباترة وكأنها لإثارة هذا الصراع بين الحب والواجب ، وبين البطولة المقتحمة والجبن المتخاذل لذلك فإن شخصيتها شاحبة إذا قيست في المسرحية إلى انطونيو . وهي التي لم تكن مصرية الدم إنما كانت يونانية من مقدونيا
في حين أننا لا نرى له هذه المساحة عند شوقي الذي ألزم نفسه صناعة صورة مرضية لكليوباترا . يقول شوقي في تعليل كتابته المسرحية ( كنت قبل تأليف هذه الرواية أشهد رواية في احدى دور السينما عن ملكة فرنسية صَوَّرها المؤلف السينمائي في صورة امرأة داعر لا تتورع عن الاستجابة لشهواتها ،فأسيت لهذه الملكة وقلت في نفسي ،وماذا في عرض الفضائح على الناس دون جدوى؟ ثم كم في التاريخ من أغلاط وأكاذيب ،وقد يكون الشأن في ذلك لنزعة المؤلف وهواه السياسي ،أو ميوله الدينية أو القومية،أو رغبته في الاتيان بما يثير الجماهير !!
وهنا برزت كليوباترة على صفحة ذهني ،فقلت :لا يبعد أن تكون هذه الملكة قد جنى عليها المؤرخون من ذوي الأغراض ،وبالغوا في التجني عليها .
وحفَّزني ذلك الى وضع هذه الرواية عنها ،لأنه لا يُعقل أن تكون كليوباترة بهذه الحال الزرية التي نراها في كتب المؤرخين(وقد وجدت أن منشأ تشويه سمعتها أتى مما كتبه المؤرخ "بلوتارك" وهو من صنائع حكَّام الرومان ،فأمعن النظر في الحطَّ من شأنها مسوقاً بأغراضه،وعن "بلوتارك"أخذ غيره من المؤرخين الذين حملوا عليها ،فأردت أن أكشف اللثام عما طمسته الأغراض،وأن أبرز ما في حياتها العظيمة من عِبر ومُثُل عليا ،كالتضحية بالذات في سبيل العزة والكرامة،وقَدَّمتها كإنسانة فاتنة ،لها ما للفاتنات من غنى وفتنة ،وكملكة عظيمة لها ما للعظماء من طموح وكبرياء وجلال..يأبى عليها أن تسلم تاج مصر لأعدائها ،وتفضل الموت على حياة الذل والهوان وتقول للأفعى:
هلمّي منقذتي هلمّي وأهلاً بالخلاص وقد سعى لى
سطت روما على مُلكي ولصَّت جواهر أسرتي وحلّي آلي
فرمتُ الموت لم أجبن ولكن لعل جلاله يحمي جلالي
حياة الذل تدفـع بالمنايا تعالي حية الوادي تعالي
وهناك فرق واضح فى اسلوب العرض لشخصية كيلوباترا عند أحمد شوقى وعند شكسبير. بدأ شوقي مسرحيته بمشهد من مكتبة القصر . واذكر أني قرأت مرة نقدا لهذه المسرحية حمل فيه الكاتب على شوقي أن دفعه حبه لكليوباترا ودفاعه عنها أن جعل قصرها يحوي مكتبة ضخمة لها خازن . وتختلف هي إليها كل فترة . في حين أن أكثر ما ورد في ذكرها عند شكسبير كان وصفا لجمالها وفتنتها إلا أنني أجد من المناسب القول إن تصوير شكسبير لنسويتها في فتنتها وغيرتها وغضبها وتعلقها بالرجل الذي تحبه جاء أعمق واقرب للنفس النسوية من حديث شوقي الذي جعلها ملكة وطنية حبها لوطنها أكبر عندها من أي حب سواه
ألتقت كليوباترا بيوليوس قيصر في عام 48 ق م . أي وهي في العشرين من عمرها . أنجبت له وريثه الوحيد قيصرون وكان بينهما مشروع طموح هو ضم مصر وروما في امبراطورية كبيرة يديرانها هما و ورثتيهما . ولم يمض على هذا التاريخ أربع سنوات حتى أغتيل قيصر وعادت كليوباترا إلى مصر بعد وفاته بأشهر .
و عندما بدا إن ماركوس انطونيوس يسيطر على الشرق، أمر كليوبترا باللحاق به في طرسوس. فلم تلبّ من فورها، بل لبثت ردحا من الزمن في الإسكندرية قبل إن تذهب إلى هذا اللقاء، ثم إنها أبحرت في أسطول رائع، حاملة الذهب، و العبيد و الجنود، و المجوهرات. و في طرسوس، و بدلا من إن تنزل إلى اليابسة متوسلة، ألقت المرساة و انتظرت و ناورت بمهارة لاجتذاب انطونيوس إلى متن سفينتها، فقدمت له مشهدا مذهلا: فالمجاديف في القادس- و قد صنعت أطرافها من الفضة- كانت تتحرك على إيقاع نغمات القيثارات و النايات، و كانت الحبال تشغل بواسطة جوار رائعات الحسن يرتدين لباس حوريات الماء بكل أناقة، و كانت المباخر تنشر الأريج اّلعطر في الأجواء. أما كليوبترا نفسها، فقد ارتدت لباس فينوس، و تمدّدت على مظلّة مذهبة، في حين كان صبيان يحركون المراوح.
وهو المشهد الذي صوره شكسبير في حديث اينوبربوس :
I will tell you.
The barge she sat in, like a burnish'd throne,
Burn'd on the water: the poop was beaten gold;
Purple the sails, and so perfumed that
The winds were love-sick with them; the oars were silver,
Which to the tune of flutes kept stroke, and made
The water which they beat to follow faster,
As amorous of their strokes. For her own person,
It beggar'd all description: she did lie
In her pavilion--cloth-of-gold of tissue--
O'er-picturing that Venus where we see
The fancy outwork nature: on each side her
Stood pretty dimpled boys, like smiling Cupids,
With divers-colour'd fans, whose wind did seem
To glow the delicate cheeks which they did cool,
And what they undid did.
شــــــــــــكــــــــــــــرا لــــــمروركـــــــــــم الــــــــــــــرائـــــــــــع وللــــــــــحديـــــــث بــــــــقيــــــــــة