في امتزاج وحشة الليلِ القاتم و أُنس ضوء القمر الخافِت، تشتعل الروح بالشجون والحنين والأحزان، وإنه إذا هبط الليل وسجى، سال الدمع بالبكا، وإن نَاشئة الليلِ أشدُ وطئًا وأقومُ قيلًا، وإن النفوس إذا هبط الليل بسكونه أيقظ في النفس الضجيج، وصارت الروح في حاجة للبوح؛ فالنفس ضعيفة وفي حاجةٍ إلى شئ ما يُحييهَا لتنطلِق، والنفوس البشرية خمدت، والناس غفلت، وصارت الروح في وحدة سجينة فمن يستيقظ في جوفِ الليلِ، يطفئ لهيب النفس المُتحرِقة شوقًا عن غيث يطفئ ما في الروح ؟ ليس لها إلا مَن لاتأخذه سِنَةٌ ولا نومٌ؛ هو مَن يعلمُ سكنات النفس وَيرفعُهَا إلى حيثُ تستريح ؟ نعم النفوس كسيرة هشة، وتحتاج إلي بث الشكوى والحزن فتلكن للقوي، وإن كانت نفوسنا متعبة، وإن قصمتها الآلام، حتى صارت البسمة باهتة كثوبٍ بالٍ ، وصارت العبرة أقرب صديق ، وأسدل ستار الحزن على أركان النفس فصار الفرح بعيدًا كنجمةٍ استحال الوصول إليها ، وباتت الروح تشعر أنها تنزف الأيام نزفًا، وكان تتابعُ الليل والنَّهارتواليًا لحزنٍ لا ينقطِع ، وزهد فيها كُل البشر، لابد وأن نعلم أن صانع السلعة أعلم بما فيها، وهو القادر على إصلاح كل شيئ، وتبديل الأتراح بالأفراح، وهو الذي يقدر قيمتها ، وإن الصانع هو الله، والشاري هو الله،
لذلك أقصر الطرق للفرح وتبديل المشهد الحزين، أن تذهب له في هدأةِ الليلِ
وأن تبيع مجالسة الخلق وليكون مجلسك مع مولاك لترفع النجوى له، ليداوي الله علتك، ويجبر كسرك، إن ربي قريبٌ مجيب، ليكن حديثك حديثُ عبدٍ فقير، إلي ملك كريم
قلبك الكسير يجبر الجبار
دمعك المرير يكفكفه الله
كل شيئ سيهون مع الله
فارتمي بين يديه ، وبُث ما خُبّئ بين جوانحك حتى كاد أن يجعلك حرضًا ، إرفع له ما يكتوي به قلبك من نار الابتلاء! تعبد له بأسمائه الحسنى وتزمل بالصفات العلا، واعلم أنه عقب العسر يسر، وبرد العطاء يذهب بحرارة الابتلاء
وأختم الحديث بقول الشاعر عبدالله العوضي:
"في هَدأةِ الليلِ والأجفانُ ساجدةٌ
على الخدودِ، وثوبُ الصمتِ مُمتدُّ
وأنجمُ النورِ في الآفاق باسمةٌ
والفجرُ في رحلةِ الميلادِ يشتدُّ
والروحُ في بهجةِ الإقبالِ ساريةٌ
إلى الذي في يديهِ الخيرُ والسَّعدُ
ناديتُ: يا عالِمَ الأسرارِ، يا أَملي
يا من إليهِ أيادي الصدقِ تمتدُّ
يا مُنجِدي حين يخبُو ضوءُ قافِلتي
يا مَن بهِ في جميعِ الأمرِ أَعتدُّ
حقِّقْ رجائي فنارُ الشوقِ تلفحُني
والجسمُ كاد من الأشواقِ ينهدُّ
فأنت وجهةُ سؤلي يا رجَاْ أَملي
وجودُك الثَّرُّ فينا ما لهُ عدُّ
وبابُك الدَّهرَ مفتوحٌ لمن بقِيتْ
أمامَ آمالهِ الأبوابُ تنسدُّ
هذا دعائي.. وَجُوداً منكَ تقبلُهُ
يا من لهُ الشكرُ بالإنعامِ والحَمدُ."
والصلاة والسلام على رسول الله