بقلم: يونس بنان

تستمر التحقيقات و تتوالى الأخبار عن فاجعة مرفأ بيروت و الذي تسببت فيها انفجار شحنة من مادة نترات الامونيوم التي تم حجزها وتخزينها لمدة تزيد عن خمس سنوات بالمخزن رقم 12 بمرفأ بيروت. بعد خمود الإنفجار بدأت مرحلة تحديد المسؤوليات و تقديم المسؤولين عن الكارثة إلى المحاكمة، مهمة عادة ما تسند إلى السلطة القضائية بالبلاد، غير أن الوضع في لبنان اليوم يختلف بحكم أن القضاء هو أول من أشارت اليه اصابع الإتهام و حملته المسؤولية التقصيرية و عدم إتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، الشيء الذي نتجت عنه كارثة مرفأ بيروت.

بعد تناسل الأخبار الأولى عن انفجار مرفأ بيروت، و بعد إحصاء الأعداد الأولى للضحايا و إنتشار الصور الأولى لحجم الخسائر، بدأت التسريبات تتوالى و تسابق الزمن عبر مواقع التواصل الاجتماعي و المواقع الإخبارية عبر الأنترنت. حيث اظهرت الوثائق التي انتشرت على الإنترنت، ان مسؤولي الجمارك راسلوا السلطات القضائية بلبنان ست مرات على الاقل في الفترة ما بين سنوات 2014 و 2017 يطالبونها بالتدخل و إعطاء التعليمات بشأن التعامل مع الشحنة المخزنة. في نفس السياق صرح مدير مرفأ بيروت حسن قريطم و مدير الجمارك اللبنانية بدر ضاهر أن تحذيراتهما بشأن الخطر الذي تشكله نترات الامونيوم المخزنة بالمرفأ و دعواتهما لتدخل قاضي الأمور المستعجلة تم تجاهلها بشكل متكرر، مع العلم أن القضاء اللبناني هو من قضى بحجز و تخزين المادة الخطيرة بمستودع المرفأ. فهل يتحمل القضاء اللبناني تبعات نتائج الحادثة؟

إن مسؤولية القضاء لا تتركز فقط في تنفيذ النصوص القانونية و تكييف الوقائع مع هذه النصوص، فالمشرعون عبر العالم جعلوا من القضاء سلطة مستقلة بذاتها غير خاضعة لإملاءات أي سلطة اخرى. ومتعوا القضاة بسلطة تقديرية تخول للقاضي حرية التقدير أو الاختيار خصوصا في القضايا التي تهم الصالح العام و الأمن العمومي وتتطلب التدخل المستعجل ووقف الخطر المحدق بالعامة. ولكي يتجنب المواطن سلبية المواقف القضائية، قفد أجبر القانون القضاة أن يبثوا في اي طلب برفع اليهم، تحث طائلة المتابعة الجنائية بتهمة إنكار العدالة و التي عرفها المشرع على أنها رفض القاضي صراحة أو ضمناً الفصل في الدعوى أو تأخير الفصل فيها رغم صلاحيتها للفصل فيها أو رفضه أو تأخيره البت في إصدار الأمر المطلوب على عريضة. وعليه فالقاضي من خلال مسؤوليته و موقعه مجبر على البث في كل عريضة تعرض عليه من أجل توقيف خطر محدق بالأمن أو الارواح أو الاموال العامة، ومتعه القانون بصلاحيات ووسائل عديدة للتحقيق في المواضيع المعروضة عليه، و التي نذكر منها الخبرة التقنية التي ترفع عنه كل لبس بشأن تحديد درجة الخطر و مدى تأثيره على الامن العام.

تتقاسم المسؤلية الى جانب القضاء، المؤسسات السياسية و التشريعية للدولة التي يجب ان تكون يقضة مع مثل هذه المخاطر، و التي يجب ان تتدخل بجميع سلطاتها من تشريع و مراقبة للسلطة التنفيدية و القضائية لحماية المواطن و الدولة. و ان تغلب مصلحة العامة عن كل المصالح الفئوية الضيقة.

قد تتعقد و تتشعب المسؤوليات في حادث مرفأ بيروت، و قد تفضي التحقيقات الى معطيات جديدة، لكن وجب على الحكومات والمؤسسات وانطلاقا مما حدث ان تقدر حجم الأخطار التي قد تتعرض لها مستقبلا وأن تتخد الاجراءات الواجبة قبل فوات الوقت. لا نتكلم هنا فقط عن الاخطار التقنية كالحرائق و الانفجارات و الانهيارات، و لكن نتكلم ايضا عن الاخطار الاجتماعية و السياسية و التي قد تحدث انفجارات على مستوى الدول، قد لا تنطفأ نارها و لا يتوقف عد ضحاياها رغم مرور عشرات السنين من الانفجار الاجتماعي، و الامثلة تتعدد في عالمنا العربي.