بالأمسِ سمعتُ طرقاً على الباب فنهضتُ وتوجهت لأفتحه فوجدت صديقاً لى بالخارج جاء يدعونيِ الى حفلةٍ مسائيةٍ بأحد المسارح القريبه. قبلتُ الدعوة علها تقوم بعمل ما بعدما نفد ما لدى من مسكنات الآلام، أكد عليّ انه سيأتى فى الثامنة مساءاً ليستقلنى الى مسرحِ يبعد قرابة الخمس وأربعون ميلاً عن المنزل .. أومأتْ رأسى له , فتولى ..

جاءنى عزيز فى الثامنة فوجد جسدى متهيئاً للذهاب بعدما اكتسى بقميص تركوازى اللون وبنطال لونه لون فستان عروس فى ليله زفافها .. فذهبنا..

فوجدت نفسى داخل قاعة كبيرة بها قرابة الثلاث مئة شخص تقريبا ، تتوجه انظارهم نحو علبة مغلقة ينفتح وسطها على الجمهور في شكل شاشة سينمائية بداخلها دمى وعرائس تتراقص , تتراقص على قلوب الحاضرين فتُزغزغهم فأضحكُ على ضحكاتهم.. وعزيز بجانبى يُقهقه بصوته الحنون العزب!

بعد حوالى خمسة عشر دقيقه أُضيئت الانوار و الاعلان عن استراحه قصيرة. تركنى عزيز وأكد عليّ ان القاعه سيُسدل عليها الظلام ليبدأ العرض القادم, الظلام الذى اخشاه كما تخشى الذئاب النور!. اختبأتْ نفسى بركنٍ ضيقٍ بعيدا فى آخر جسدى مرتعشةَ حتى بدأ بصيص من النور فى الظهور هنالك على خشبة المسرح, ألتقطتْ نفسى بعضٌ من انفاسها .. فانتشيتْ .. قليلا ..

الدمى والعرائس المتراقصة خرجت من العُلبة .. اصبحت الآن فوق خشبة المسرح، تتحرك بشكل مباشر أمام الجمهور.. ولكن كيف لدمية كهذه لا روح فيها ولا هيليوم ان تتراقص هكذا ؟! انبهر الحاضرون وانا منهم, فالعرض كان بمثابة مركزاً للجاذبية لقلوب الحاضرين جميعا.

تذكرتُ عزيز فتحسستُ جانبى فوجدته كدمية كبيرة تجلس بجانبى على الكرسى وما زال يقهقه بصوته الشجى الدافئ.. انتهى العرض وملأ النور المكان فوجدت الكرسى بجانبى بلا عزيز!

وجدته على خشبة المسرح ينحنى للجمهور وكلما انحنى زادت حدة التصفيق ..

نعم ما زال امامى مسافة خمس واربعون ميلاً كى ألملمُ فيهم شتات فكرى ..

- عزيز انت مش كنت جنبى طول العرض ؟

- ياابنى رد على بتضحك على اية دلوقتى ؟

= انت متعرفش ان أنا مش أنا!

- هنهزر ياعزيز؟!

= متزعلش هريحك وهجاوبك

- ياريت

= لقد اسغليت قبيل بداية العرض الثانى خوفك من الظلام و وهمتك انى ساكون بجانبك, لكنى لم أكن كذلك فكان المقعد جانبك فارغا!

- فارغا ؟ ! كيف ذلك ألم تحضر معى العرض الثانى لقد كان ممتعا حقا دا

=تعنى انى عجبتك ؟

- انا اتحدث عن العرض وليس عنك ايها الذكى 

=إذن فقد عجبتك فانا محرك "الدمى والعرايس" ياعزيزى.

= لا داع لكل هذه الحيره والتساؤل فما يحدث هو ان ارتدى زيا اسود اللون ونتيجة لانعكاس إضاءة خاصة عليه فلا أحد من المشاهدين يمكنه رؤيتى ولا حتى انت ياصديقى!، مهارتى تكمن فى تحريك العرايس بالشكل الذى يعكس قدرتها الرائعه على التراقص والتحكم فى عضلاتها....

القطار الملعون وكأنه ترك قضبانه وغير خط سيرة الى غرفتى , انزعجت على صوته فأستيقظت .. ما هذا اين عزيز؟!.