أتذكر ليلة الامتحان, حينما نكون فقدنا اﻷمل في عمل المزيد, ولكن نضغط أنفسنا لفعل أقصى ما عندنا قبل الموعد المحدد. آخر امتحان بعده أجازة. فنصبر أنفسنا بأن كل أحلامنا المؤجلة سنعيد نتظيمها في حياتنا بعد هذا الامتحان. نتخلى عن الكثير في هذه الفترة, فهي من الصعب أن تكون فترة نظام متكامل, بل هي ببساطة فترة أنقاذ موقف. فتفعل أقصى ما عندك بلا تفكير ولا تخطيط, فلم يبق إلا ساعات. تهدر الوقت, الذي بدون هذا الامتحان لكنت تعمل لخطط أهم وطويلة المدى. ولكنت أعطيت اﻷولوية لما هو أولى, وليس فقط لما هو ضروري. أَمَا هو ضروري هو أولى؟. سؤال يتكرر, ولكن على أي حال بعد الامتحان سنتفرغ ﻷعادة ترتيب حياتنا وخططتنا. بل وحتى أنقاذ الموقف عشوائي. فأنت مثلا تستبعد قراءة كتاب المادة على مكث, ﻷن هذه ليلة أنقاذ موقف وليست ليلة تعلم.
ورغم قناعتي بأن أسلوب الامتحانات هذا فاشل في نظامنا التعليمي, ولكن يكرر هذا الموقف كثير. تحسنت قليلا بعد أدراكه في سنواتي اﻷخيرة, خصوصا أني كنت لا أذاكر أول مرة ليلة اﻷمتحان, فكان من اﻷسهل علي أن لا أوقف حياتي على امتحان واحد. ولكن..دائما كانت هناك هذه المادة, التي تلغي الكثير من اﻷولويات اﻷكثر أهمية…ﻷنقاذ الموقف.
تذكرت كل هذا, وأنا أفكر في مشكلة اللاجئين السوريين في الشتاء. في الواقع, نحتاج أن نجمع الكثير من التبرعات ﻷنقاذ الموقف قبل أي أضرار. وبينما أشعر بهم وأسأل :هل التبرعات ستكفيهم؟ ما المشاكل اﻷخرى التي تحتاج تبرعات؟ فكرت للحظة, ما هو كم التبرعات التي جمعت لهذه الكارثة؟
تخيلت مبلغ مهول. ولا تسئ الفهم أيها القارئ, أنا لا أنكر هذا المال لهم. ولكن اﻷمر مختلف قليلا. هو فقط ذكرني بليلة الامتحان, حينما تلغي كل خططك من أجل أنقاذ اللحظة القادمة .كنت أذكر نفسي دائما, إن كان لدي نظام طوال العام, لما اضطررت أن أوقف حياتي على امتحان.
فتخيلت, ماذا لو لم يفعل بشار ما فعل. أنه مجرم بكل المقايس. كم ما تم التبرع به, ألم يكن أولى في بناء الحضارة! وكم اﻷنفس التي زهقت وظلمت؟ الخسائر كثيرة وأيضا, كيف تحل الأزمة؟ المصيبة في سوريا, أنهم وصلوا لمرحلة بلا رجعى. ولكن هل تحل مشكلة اللاجئين مثلا بمجرد التبرعات؟! ..أم هو استنزاف أكثر؟ أليس من ممكن ان يكون بقائنا في هذه الدائرة المفرغة هو هدفهم؟
وبينما أنا أفكر في كل ما حدث ويحدث..تسألت, متى ينتهي الامتحان حتى نعيد ترتيب أوراقنا وخطتنا. ليس فقط لسوريا..ولكن للأمة اﻹسلامية بأكملها. وهنا توقفت أفكاري.
الكثير من الناس, يعد نفسه دائما أنه سيتغير بعد أنهاء الامتحان, ليعيد النظام من العام الدراسي القادم, ولكن يجد نفسه غافل حتى يصل إلى ليلة امتحان آخر. فهذه أمتنا, بين امتحان تلو امتحان. واﻷمر يزيد ولا ينتهي.
فمن الواضح أنه لا يجوز انتظار هذه اللحظة التي نعد أنفسنا أننا سنعرف ما يدور ونخطط لما هو أصح. ﻷن هذه الحظة لن تأتي, وأنما يُؤتى بها.
في بعض اﻷحيان, كان أدراك أن ترك العشوائية في أنقاذ الموقف, وأعطاء الصبر في الطريق اﻷطول ومذاكرة الكتاب مذاكرة تعلم ليلة اﻷمتحان..سيعطي نتيجة أفضل. في مثل هذه اللحظات, كنت أتخلص من النظر إلى تحت قدمي, ﻷنظر لما هو أبعد.
ومازلت أفكر في الكيف.
كيف ننظر لما هو أبعد لنعطي حل لأساس المشكلة بدل من حل النتائج التي تكبر يوما بعد يوم.