“بصدق أنا لا أحبكَ بعينيّ/ إذ إنهماتلحظان فيك ألف عيب/ و لكن قلبي هو الذي يعشق ما تزدريه عيناي قلبي"
تطرح العلاقة الثالوثية الجنسية بين رجلين و المرأة في نص شكسبير علاقة وجودية خالصة، إنها تكشف عواطفو أفكار الثالوث في علاقات ثنائية من الداخل و من الخارج ايضا فعلاقةشكسبير بالفتى و الفتاة كل على حدة و علاقة الفتى بالفتاة في علاقة خائنةللشاعر ثم علاقة الفتاة نفسها بعشاق آخرين من خارج الثالوث كلها تعطيتلونات للحالة الجسدية و النفسية و الفكرية و تضعها تحت المجهر فشكسبيرالمتأثر بالموشح العربي و بالتراجيديا اليونانية و اللاتينية فيما بعد لايتقبل من خلال مزاجه المشبوب إلا العلاقات الملتهبة و التي تصنع أدبا قويا وفرجة تنتزع المشاهد إنتزاعا فينصرف بكليته إلى العمل المسرحي أو الشعري ولا يهتم بغيره في تلك اللحظة و لهذا قد تقرأ نصوص شكسبير العاطفية المترجمةالتي يتوجه بها إلى الغلام في صيغة التأنيث مع فرق في الوزن و القافية ولكن المعاني تبادلية بين الجنسين في هذه التجربة النواسية و هو ما يوفر هذاالإلتباس الجميل والمُحيّر إذ أن اللغة الانجليزية نفسها لا تضع الحدودبين المؤنث و المذكر بصفة واضحة و هو ما يعطي الشاعر مجالا اوسع للإبداعية والتحرر و يعطي الشعر الشكسبيري بُعده الوجودي المتعلق بالأنا و الآخر والأصل و الصورة و التناسخ الابدي.
فأساس العلاقة الجنسية الثلاثيةلدى الشاعر هو البحث من جهة عن الانتماء و الإعتراف من الآخر بأنه جديربالحب من جهة أخرى و هذا يعود في اغلب الأحيان إلى حب و إعتراف لم يجدهماالشاعر في طفولته من أهم قطبين في حياته أو من احدهما و هما الأب و الام وخصوصا من الجنس المغاير لجنس الشاعر (الأم إن كان الشاعر ولدا و الأب إنكان بنتا) و هكذا يتلبّس الحب الجنسي بالعاطفي حتى يغدوَ لا جنسياً كما فيقوله في سونيت جائزة الألم 141 ص119 “بصدق أنا لا أحبكَ بعينيّ/ إذ إنهماتلحظان فيك ألف عيب/ و لكن قلبي هو الذي يعشق ما تزدريه عيناي قلبي الذييلذّ له رغم المنظر ان يتولّه/ و ليست أذناي بنغمات لسانك مغتبطتين/ و لاالشعور الرقيق للمسات الخسيسة توّاق/ و لا الذوق و لا الشم يشتهيان أنيُدْعَيَا/ إلى أية وليمة شبقية معك وحدك لكن لا ملكاتي الخمس و لا حواسيالخمس/ تستطيع ان تثني هذا القلب الأحمق عن خدمتك/ هو الذي يترك ما فيه منشبه بالرجال جامحا لا يُلجَمُ/ ليكون عبد قلبك المتكبّر و أجيرك البائس/ إنني لا أحسب حتى الآن ربحا كسبتُهُ سوى طاعوني/ أن تلك التي تجعلني أقترفالإثم تكافئني بالألم” بل إنه يدخل في دائرة التأثيم و يفقد كنهه الجسديليتحول إلى لعبة بلاغية بحتة ظاهرها السعادة و المقدرة و باطنها العجز والعذاب و لا ينكر شكسبير هذه الصورة في علاقته بالحبيبة، علاقة فاشلة سلفاًلأنها تنبني على علاقة أوديبية مع الأم “اُنظري، مثلما تجري ربة بيت حريصةلتمسك/ بِطائر من طيورها هرب منها طارحة طفلها على الأرض/ و جارية بأقصىسرعة، تطارد ذلك الذي تتمناه أن يبقى لها/ فيما يطاردها طفلها المُهمًَل/ متشبثا بأذيال ثوبها، و هو يبكي محاولا أن يلحق بها/ تلك التي لا يشغلهاإلا أن تلحق بذلك الطائر أمام وجهها، غير آبهة لعذاب الطفل المسكين/ كذلكتجرين أنتِ خلف ذلك الذي يطير هاربا منك/ فيما أطاردكِ، أنا طفلُكِ، بعيداخلفكِ” سونيت المطاردة 142ص119
إن هذه العلاقة الأوديبية الحادة التيقد تكون نابعة من صدمة الشاعر في أمّ خائنة للأب فضلا عن خيانتها الضمنيةللطفل الذي يعتبرها الحبيبة الأولى و النموذج الذي تنبني عليه صورةالحبيبات القادمات، إن هذه الخيانة التي تجعل الأوديبية تصل ذروتها هي عصبالعلاقة الثالوثية في شعر شكسبير، فشكسبير يعشق الأم فيفتقد الأب و يعشقالأب فيفتقد الأم، هذه المرأة التي تأجج صراعاته الجنسية و الوجودية والقيمية بخيانتها و في العلاقة الثالوثية “علاج” غير واع أو واع عبر الأدبلهذه الظاهرة فكأنه بذلك يحصل على الأب و الأم معا بل يستعيدهما و هو أمرمستحيل في الواقع إلا أنه مسموح في الساحة الشعرية الإنجليزية المتأثرةبالأدبيات اليونانية مما يُعطي نص شكسبير وجاهة و شرعية “لدي معشوقان، فيواحد (الأب) الراحة و في الآخر (الأم)/ و هما مثل روحين، يُغويانني دائما/ الملاك الخيّر رجل تامّ الجمال أبيض/ و الروح السيئة امرأة ملوّنةبالقبح(…) تُغوي أنثايَ الشريرة ملاكيَ الصالح و تأخذه من جانبي (..) وينتابني الشك في أن ملاكي قد يتحول إلى روح شريرة/ غير أني لا أستطيع الجزمقاطعا بذلك/ لكن لأن كليهما بعيد عنّي، و كل منهما صديق الآخر” سونيتالعشيقان 144 ص 120.
إن الشاعر يتعاطف مع الأب بحكم إنتمائهما لنفس الجنس وهذا يخفف حدة الشهوة تجاه الآخر كما يتعاطف معه لأنه يشترك معه في تلقيفعل الخيانة كزوج و لكن لفظة الكراهية تتكرر في السونيتات مرّات عديدة لتدلعلى هذه العلاقة المشبوهة تجاه الذكر/الرجل/ الأب “إذن- إذا كنتَ ستكرهُنييوما- فاُكرهْني الآن/ الآن و العالم كله مصمّم أن يُحبط كل ما أودّ أنأفعلَهُ / كُن شريكا لنوائب الدهر ضدي و اُجعلني أنحني/ و لا تأتينّ متأخرابعد كل الضربات لترميني بطعنة منكَ” سونيت ذروة العشق 90ص108 هذه الكراهيةتتجلى تجاه الأنثى/ المرأة/ الأم “لكن يا حبيبة، اُستمرّي في الكُره،فإنني الآن أعرف كيف تفكرين: إنك تُحبين المُبصرين، و أنا أعمى” سونيتكراهية149 ص 123
إنها لغة شكسبير النفيسة التي يستعمل فيها الأبطالُسلاحاً متساوياً يجعل التراجيديا حرباً بلا هوادة لغة و عاطفة، إنها تستهلكاللغة حتى آخر رمق فيها حتى يتقطع ذلك الخيط المتوتر بين الواقع و الخيال،بين المبنى و المعنى.
«THE DARK LADY »أليست المرأة الداكنة هي اُمرأة الظل
المرأة المحرّمة التي تسكن أشعار شكسبير و هي وعاء التوتر بين الفضيلة والرذيلة “فلقد أقسمت أنكِ جميلة و آمنتُ أنكِ متألقة/ أنتِ السوداء سوادالجحيم، الحالكة حُلكة الليل البهيم” سونيت حُمى العشق147ص 122 إن الحبيمتزج عند شكسبير بالإثم و لهذا فهو حبّ طاغٍ عنيف تتصادم فيه المشاعر والقناعات و هو حُبّ مُدمّر للذات بما هو ضد تيار المجتمع و الاخلاق فلامُسوّغ له إلا الفن إذا خرج من حوضه يموت “آه، أيها الحب ما أدهاكَ، بالدمعتُبقيني دائما أعمى/ لئلا تكتشف عيناي، إذا اُنجلى بصرهما، عيوبكالفاحشة”سونيت الحب المضلل148ص123
و هو يُذكر بالمناخ الاغريقي الذييكون فيه البطل تراجيديا يدخل في صراع غير متكافئ مع قوى خارقة لا ليهزمهابل ليتطهر عبر اللغة من خلال التعبير الصادق عن مأساته التي لا يَدَ لهفيها فحساسية الشاعر تجعله يتطلب من مُحيطه حُبّا و اُهتماما أكثر من غيره وهو يًُسقط علاقته الفاشلة مع أمه (بحكم وُجود الأب من جهة و العشيق من جهةثانية) على علاقته بالحبيبة و يسِمها بالعدائية في علاقة لا تقبل ثالثافإما العشق و إما الكراهية: “هاتان الشفتان اللتان صاغهما إله الحب بيديه/ أصدرتا الصوت الذي قال:”أنا أكره”/ لي، أنا الذي ألوب عذابا بسببها (..) “أنا أكره”، ثم حوّرتها بخاتمة تبِعتْها/ مثلما يتبع النهارُ العذب الليلَ/ الذي يُقذفُ طائرا، كما تطير روح شريرة/ من الجنة إلى الجحيم/ “أنا أكرهُ” أفرغتْها من الكراهية/ فأنقذتْ حياتي/ إذ أكملتْ قولََها: غيرَكَ لا أنتَ” سونيت لعبة الحبيبة 145 ص121