بين الدولة العميقة والدولة العقيمة

حيدر حسين سويري

   الدولة العميقة (Deep state) ‏ أو الدولة المتجذرة[1] أو دولة بداخل دولة، مفهوم شائع غير اختصاصي يُستخدم لوصف أجهزة حكم غير منتخبة تتحكم بمصير الدولة (كالجيش أو المؤسسات البيروقراطية المدنية أو الأمنية أو الأحزاب الحاكمة)[2]، وقد تتكون الدولة العميقة بهدف مؤامراتي أو بهدف مشروع كالحفاظ على مصالح الدولة كنظام حكم.[3] يفترض بأن للدولة العميقة عناصر موجودة في مؤسسات ومفاصل الدولة المدنية والعسكرية والسياسية والإعلامية والأمنية، وتقدر هذه العناصر التي تعمل صوب أهداف مشتركة من التأثير وتوجيه مؤسسات الدولة الرسمية وقراراتها السياسية.[4]

   من الأمثلة الشائعة على مفهوم الدولة العميقة، الدولة العميقة أو المتجذرة في تركيا، والدولة العميقة في الولايات المتحدة (وكالة الأمن المركزي واللوبيات)، ومصر (الجيش وكبار رجال الأعمال)، وغيرها. من الممكن أن تكون الدولة العميقة، حين تسمى بدولة داخل دولة، أن تصف بعض الأحزاب والجماعات التي تتصرف كأنها دولة لكن ضمن حدود دولة معترف بها، أو الأجهزة المخابراتية لدولة ما.

   نشأ مصطلح "الدولة العميقة" أولا في تركيا في تسعينيات القرن الماضي، للتعبير عن شبكات من المجموعات وضباط القوات المسلحة الذين أخذوا على عاتقهم حماية علمانية الدولة التركية بعد قيامها على يد مصطفى كمال أتاتورك، ومحاربة أي حركة، أو فكر، أو حزب، أو حكومة، تهدد مبادئ الدولة التركية العلمانية، وكان ذلك أول تعريف وظهور لمفهوم "الدولة العميقة".

   برز بعد ذلك المفهوم بتعريفات مشابهة في كل من الولايات المتحدة الأمريكية، مع إنشاء الوكالة المركزية للاستخبارات الأمريكية، وبدا أن الدولة العميقة تتمثل في شبكات السلطة السياسية في واشنطن، والسلطة الاقتصادية، والمالية، في وول ستريت، والتي تعمل على حماية مجموعة من شبكات المصالح المختلفة.

   في العراق ظهر هذا المصطلح في حقبة حكم المالكي[5] (2006 – 2014) وأخذ يتردد على لسان المسؤولين والمحللين السياسيين، ولكن بدون بت بأفراد وأعضاء هذه الدولة، لكن كان ولا يزال الظن بأن الأحزاب والاصح رؤساء الأحزاب من الشخصيات البارزة هي من تشكل الدولة العميقة وتديرها، لذا نرى لها مكاتب اقتصادية وتشكيلات عسكرية خارج تشكيلات الدولة، وهم من يأتي برئيس وزراء ويطيح بأخر، وبالرغم من وجود ملفات فساد على بعضهم، لكن القضاء لا يتحرك عليهم ابداً، فهو ايضاً خاضع لسلطتهم، وكذلك الاعلام والموانئ والمنافذ الحدودية وغير ذلك.

   ظن البعض جزافاً أن الدولة العميقة هي حوزة النجف ومراجعها، لكن غلق المرجعية الرشيدة بابها بوجه جميع قادة الأحزاب ونئيها عن السياسة الا فيما يشكل خطرا على الشعب، خيب هذا الظن او من أراد الترويج له، لذا كان عمل المرجعية بعيدا كل البعد عن الأحزاب وتشكيلاتها.

   بعد ان تحكمت الأحزاب وقادتها في جميع مفاصل الدولة الداخلية والخارجية بات لنا ان نطلق على الدولة الرسمية بالدولة العقيمة، لأنها لا تستطيع ان تنجب أي مشروع او قرار دون الرجوع الى الأحزاب وقادتها.

بقي شيء...

وئد المظاهرات واغتيال الشخصيات وتعطيل المشاريع لا يصب الا في مصلحة الدولة العميقة وبذلك فهي المتهم الأول والأخير وان أعلنت براءتها.

[1] Fukuyama, Francis (2009-08-17). بناء الدولة: النظام العالمي ومشكلة الحكم والإدارة في القرن الحادي والعشرين: State Building: Governance and World Order in the 21st Century. العبيكان للنشر.

[2] الصراف، علي (2014-08-10). خيول الظلام: قطر والإخوان والشرق الأوسط الجديد.

[3] الدنّان, ربيع محمد; القاسم, باسم جلال (2017-03-16). مصر بين عهدين مرسي والسيسي: دراسة مقارنة: Egypt Between Two Eras: Morsi and al-Sisi: A Comparative Study. مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

[4] التواب، مصطفى عبد. سقوط الأقنعة. مجموعة النيل العربية.

[5] نوري كامل محمد حسن أبو المحاسن المالكي (مواليد 20 يونيو 1950)، رئيس مجلس الوزراء العراقي الأسبق بين عامي 2006 و2014. ونائب رئيس الجمهورية السابق من 9 سبتمبر 2014 حتى 11 اغسطس 2015، وهو أمين عام حزب الدعوة الإسلامي.

نجح المالكي والحكومة الانتقالية العراقية في أداء اليمين الدستوري 20 أيار/مايو 2006 ولقد تولى منصب رئيس الوزراء خلال ولايتين وفي ولاية ثانية وتولى وزارة الداخلية بالوكالة ووزارة الدفاع أيضا والأمن الوطني

بدأ المالكي حياته السياسية بصفته معارض عراقي شيعي في زمن الرئيس العراقي السابق صدام حسين في أواخر السبعينيات، فر من حكم الإعدام إلى سوريا وفي سنة 1982 انتقل إلى إيران ثم عاد إلى سوريا بسبب خلافات، منذ وخلال فترة عملة في الخارج، أصبح أحد كبار قادة حزب الدعوة الإسلامية ,قام بتنسيق أنشطة مناهضة لـ صدام حسين وأقاموا علاقات مع مسؤولين إيرانيين الذين سعوا في الإطاحة بصدام حسين و تعاون المالكي مع الولايات المتحدة وقوات التحالف في العراق بعد مغادرتهم بحلول نهاية عام 2011, وفي أعقاب سلسلة من الهزائم العسكرية على يد تنظيم الدولة الإسلامية والعشائر المحلية في شمال العراق، قال مسؤولون أمريكيون إن المالكي يجب أن يتخلى عن رئاسة الحكومة، وفي (14 اب 2014)اعلن عدم الترشح لمنصب رئيس وزراء العراق.