ر
رياض سعد

كاتب وباحث : مهتم بالشأن العراقي و تأصيل مشروع الأمة العراقية والدفاع عن الاغلبية العراقية الأصيلة

مدة القراءة: دقيقة واحدة

مقولة وتعليق / 57 / لا تجهد نفسك في تنظيف حظيرة الحيوانات

وانا اشاهد الفيلم الروسي الاحمق (بالروسية: Дурак) -  وهو فيلم دراما تم إنتاجه في روسيا وصدر في سنة 2014 ؛ من إخراج يوري بيكوف، ويعتبر ثالث أفلامه ؛ وتدور احداثه حول سمكري (سبّاك) بسيط يقف بمفرده ضد نظام بيروقراطي ممتلئ بالفساد، لأجل إنقاذ مبني سكني قديم من خطر الانهيار وذلك لإنقاذ حياة 800 مواطن ممن يسكنون فيه ؛ اذ يحكي الفيلم قصة رجل سمكري بسيط يكتشف وجود عيب في إحدى المباني وأنه مهدد للسقوط خلال 24 ساعة ؛ ثم يبدأ محاولاته لإقناع رئيسة البلدية بأن المبنى سيسقط ، لكن يصطدم بواقع الفساد المتفشي في جميع فروع البلدية ، حتى تهدد القصة حياته وحياة أسرته ؛ ورغم حصوله على فرصة للنجاة والهرب، يرفض ذلك ويتوجه للمبنى الذي يسكنه 800 شخص ليعلمهم بأنه سيسقط ... ؛ وعندما خرج السكان من المبنى لم تقنعهم حجج السمكري مما أدى لضربه وعدم تصديقه ... ؛ فهو يُجسد الصراع بين الاكتراث والاهتمام بحياة الناس المهمشين او الفقراء او المسحوقين واللا اكتراث واللامبالاة  لحفنة من الحثالات البشرية  التي تسكن مبنى خَرب آيل للسقوط ؛  يكتشفهُ احد ساكني المبنى بالصدفة  ... الخ ؛ اثارت انتباهي عبارة : ((لا تحاول تنظيف الزريبة فتتسخ ملابسك و تُغضب البهائم))  وهذه العبارة قريبة من المقولة الشهيرة : ((  لا تصارع خنزيرا في الوحل فتتسخ انت ويستمتع هو )) بنحو من الانحاء وليست طبق الاصل ؛  وقد نسب المصريون هذه المقولة بعد اجراء التعديلات عليها تارة بالفصحى العربية واخرى باللهجة العامية المصرية الى الفنان المصري عزت امين وغيره  او رددوها كثيرا : (( لا تحاول تنظيف اي زريبة فكرية ستضيع جهدك و توسخ نفسك و أيضا ستزعج البهائم ... ؛ متحاولش تنضف اي زريبة , مجهود ضايع وهتوسخ نفسك وهتزعل البهايم ... ؛ لا تحاول تنظيف اية زريبة فكرية , ستهدر طاقتك , وتضيع وقتك , وتلوث نفسك , وتزعج البهائم , ولربما يقومون بنطحك ... الخ )) .

حظيرة الحيوانات تتصف بانتشار الروائح الكريهة والروث والفضلات , و زريبة البهائم تتكاثر فيها  النجاسات والاوساخ والبكتيريا والبرغوث والفيروسات ؛ وعليه سيكون تنظيفها الدائم من سابع المستحيلات ؛ وذلك لوساخة الحيوانات وعدم اهتمامها بالنظافة ؛ فالمهم والاهم بالنسبة للبهائم  تناول الاعلاف ومن ثم اخراج الفضلات ؛ وكل من يحاول تغيير اوضاع الحظيرة او يعمل على تنظيف الزريبة ؛ يصاب بخيبة الامل , اذ تتسخ ثيابه ويتلوث جسده وتتعفن رائحته , وتبقى الحظيرة هي هي , فالوساخة من السمات الذاتية للزريبة وليست العرضية او الطارئة ؛ والطبع يغلب التطبع ؛ ولعل الالحاح في تنظيف الحظيرة قد يؤدي الى هجوم الحيوانات والفتك بالشخص الذي يستهدف تنظيف الزريبة ؛ فكراهة وعداوة الاشرار للأخيار , والادعياء للأصلاء , واللؤماء للنبلاء , والمجرمين للصالحين , والخونة للوطنيين ؛ والعملاء للشرفاء ؛ فضلا عن كراهة الوسخ للنظيف والعار للشريف ؛ طبع لا يستطاع تغييره . 

وكلما استخدمت المطهرات والمعقمات في تطهير حظيرة الحيوانات ؛ كلما تكرر خروج الفضلات منها , و رجعت الاوساخ والروائح الكريهة الى المكان مرة اخرى , عندها سوف تدرك ان الزريبة انما وجدت من اجل الوساخة والقذارة فحسب ؛ فلا هي تليق بالطهارة ولا النظافة تليق بها , اذ بينهما بعد المشرقين ؛ وان جهودك في تنظيفها ذهبت ادراج الرياح , وانك رجعت منها بخفي حنين ؛ ومن المحتمل ان تصاب  فيها بالجروح والكدمات جراء هجوم الحيوانات ؛ وقد تحيط بك المنغّصات والمكدّرات والتحديات وتحاصر من قبل البهائم والحيوانات ؛ وقد تقع في  خير اعمالك وتدفع ثمن نواياك الطيبة , وتعاقب على ذنب لم تقترفه ... !!

إياك ثم إياك ثم إياك ان تحاول تغيير طبائع الاشياء او تحدي السنن الكونية والقوانين الطبيعية , او تدافع عن قضايا اصحابها قد باعوها او لا يكترثون لها , فالنية الطيبة والارادة الخيرة وحدها لا تفيد , واليد الواحدة لا تصفق ؛ ومَن لَم يَجعَلِ اللَّهُ لَهُ مِن نفسِهِ واعِظاً ، فإنَّ مَواعِظَ النّاسِ لَن تُغنيَ عَنهُ شيئاً ؛ والتغيير الايجابي ينبع من داخل الانسان , و المواعظ والنصائح الخارجية لا تجد سبيلا للإنسان ؛ ان كان قلبه مغلقا ؛ و الله لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم . 

ألا تُـبّـاً لمـجـتـمـع دنـيء *** تـكـوّن جـنـسـه مـن كل رجس

أتـيـت لأنشر الإصلاح فيه *** فلم أصلحه بل أفسدت نفسي

 

ر
رياض سعد

كاتب وباحث : مهتم بالشأن العراقي و تأصيل مشروع الأمة العراقية والدفاع عن الاغلبية العراقية الأصيلة

أهلاً بكم في مدونتي! أنا كاتب شغوف أشارككم أفكاري وتجربتي في الحياة من خلال تدوينات أسبوعية. أستكشف فيها التوازن بين القيم والمغريات التي نواجهها يومياً، وكيف يمكننا أن نعيش حياة مليئة بالمعنى والعمق. انضموا إلي في هذه الرحلة الأدبية!

انضم الى اكتب

منصة تدوين عربية تعتد مبدأ البساطة في التصميم و التدوين

التعليقات