لا أعلم لما أتذكر الآن أول هدية أهديتها لأبي - رحمه الله - عندما كنت في السابعة أو الثامنة من عمري ، كانت الهدية مسبحة بلون المانجا المبهج ، الحقيقة أني لم أخترها ولم أشتريها بمدخراتي القليلة ولم أخطط لها من الأساس ، فبينما كنّا نلعب ذات نهار أنا وأخي وجدتها  ملقاة في الطريق، بالقرب من سُوَر منزلنا - كان نادرا جداً ما نتخطى ذلك السور - وتشاجرنا أنا وأخي كل واحد منّا كان يريدها لنفسه ، وفزت بها على غير العادة طبعا، لأن الأولاد دائما يفوزون بكل شيء - على الأقل كما كنت أعتقد حينها أو كما كان يحدث لي - كان أخي يقول لي: إنها لا تصلح للفتيات! فأجبته بثقة: إني أعلم ذلك لكني أريدها وهذا يكفي ، وكنت أريدها بإصرار لأقدمها هدية لأبي ، وبالفعل فعلت ذلك ، هكذا بكل بساطة قلت لأبي أن يأخذها ،من يدي ليده دون بهرجه أو مغلّف مزركش أو كلام منمق ، وسألني أبي - كما هو متوقع - من أين أتيتُ بها، فقلت له بصدق الحكاية ، لم يوبخني لأَني ألتقطت شيئا من الطريق ، ووجد لي بحنانه مبرراً ، أخذها وشكرني بابتسامته الحلوة ..

ومنذ ذلك الحين وأبي يحملها في جيبه لاتفارقه، كان هذا الفعل يظهر لي إعتزازه بها، كأنما كان يراني فيها ، كنت سعيدة على الدوام بذلك ، وظلت تلك المسبحة مرافقة له حتى في سنوات مرضه الاخيرة ، ولسوء الحظ أنه قبل أشهر من وفاته انقطعت المسبحة وأعطاني إياها لأصلحها، أحزنني كثيرا أنها انقطعت ، وكنت عازمة بصدق على إصلاحها وإعادتها لأبي، لكني لم أصلحها، لا أعلم ما الذي حال بيني وبين إصلاحها ، ربما انقطاع المسبحة كان إشارة لأن أبي سيرحل قريبا ، هذا ما فكّرت فيه فيما بعد، ماحدث أني لم أصلح المسبحة وقتها، ولم يسأل أبي عنها أيضا، فلم يكن في حال تسمح له بأن يتذكر مسبحة ، وحين رحل بعد أشهر قليلة، تذكرت المسبحة وعزمت على إصلاحها لكني لم أصلحها ، بقيت في الدرج طويلا ، كلما فتحته ورأيتها نويت بصدق أن أصلحها ، لكني لا أفعل ذلك في كل مرّه ..

والآن وبعد سبع سنوات من رحيل أبي -رحمه الله - وبالتحديد قبل أشهر قليلة أصلحت المسبحة، لم أكن أصدق حينها أني فعلت، وأظن أن إصلاحها بعد كل هذا الزمن يشير الى شيء جميل، أو أني آمل أن يكون الأمر كذلك، سلام عليك يا أبي ، وعلى روحك الطيبة فيض من الصلوات والرحمات والحب.