جهاز ذكي بيدي وإتصال سريع يأخذني للشبكة بلمح البصر متى ما أشرت له بلمسه! أقرأ الرسائل الواردة على البريد، أرد على رسائل الأقارب والصديقات، وأزور شبكات التواصل، كل هذا في الوقت الذي أنتظر به الباص عند المحطة، أو الوقت الذي أنتظر به القهوة في طابور القهوة الطويل! أفكر بسهولة الوصول وسرعته. أعود قليلاً للماضي ، وأجد أول جهاز كمبيوتر في بيتنا القديم، الأصابع القديمة بين لعبة "سوليتير العنكبوت"، وبرنامج الورود. أجد أيضاً أول مرة استخدمت فيها جوجل، حينما كنت أبحث عن "تلوث الهواء" والذي كان موضوعاً لبحث من ثمان ورقات لمادة الكيمياء!وأجد المتصفح الذي كنت استخدمه أحياناً من أجل البحوث ودعم مواضيع التعبير فقط!
أفكر الآن لماذا كنت استخدمته بهذه الطريقة، لماذا لم ابحث عن شعر مثلاً، صور لأحدث الأزياء، أو حتى وصفات للطبخ؟ لماذا وضعته بمساحة ضيقة جداً مع العلم بأنه لم يحذرني منه أحد، ولم يضع لي أحداً قيوداً وقت استخدامه؟
هذا الإستخدام المحدود للشبكات ظل كما هو حتى عام ٢٠١١!
أكثر من عشر سنوات وأنا أتعامل مع الشبكة بحدود! كانت الحياة مزدحمة دراسة، أسرة، تلفزيون، كتب، مجلات، بيت الجدة وجاراتها ومجلس عمتي -رحمها الله-!
كنت أدور في تلك الزحمة اللذيذة، ولم أجد وقتاً لأفكر بــ "هل المشاركة في المنتديات فكرة جيدة أم سيئة؟"! كانت إحدى خالاتي تتحدث عن المنتديات دائماً، وكان حديثها يجذبني فعلاً، إلا أني لم أفكر أن أتقدم أنا وأسجل! ولا أعرف لماذا؟
وفي عام ٢٠١١ شهر مايو تحديداً كنت في مدينة في أقصى الغرب "فانكوفر". اسكن شقة على "بورارد ستريت". ادرس مع طلاب وطالبات من جنسيات مختلفة وبإهتمامات مختلفة أيضاً. يفصل بيني وبين أهلي الآلاف الكيلومترات و ثلاثة عشر ساعة! نهارهم ليلي وليلهم نهاري! كانت المدينة جميلة جداً إلا أن جمالها كان فضفاضاً واسعاً، وكنت أتعثر به أحياناً. كنت أحتاج عيوناً أخرى تتأمل معي هذا الجمال! ومن هنا صافحت الشبكات بدأت بتويتر و إنستغرام، وبدأت مع من أعرف أخي، أختي، القليل من الأقارب والقليل من أصدقاء الدراسة. وبدأت أيضاً من مشاهير الإعلام التقليدي، لم أكن وقتها أعرف غيرهم! حتى تعثرت بكُتاب الظل وأصدقاء الشبكة! هؤلاء من ضرب صدقهم بفرضية هذه المواقع عرض الحائط واستحالات لشبكة حقيقية! يطل عليها قلبي كشرفة ويمتلئ بأحاديثهم، وحدتهم، أشعارهم، لياليهم الطويلة، صورهم، تفاصيلهم وصمتهم أيضاً!
تتجول أصابعي بين خيوط الشبكة، تكشط عن لمعة الأرواح، وتبحث عن المواهب المغمورة!
تجمع النصوص وعبارات الدهشة، وتعيد ترتيب الكُتاب المفضلين كأحد سكان المدينة بعد أن كانت سائحاً ساذجاً تسوق لها شركات السياحة وجباتهم الباردة!
تتجاوز فرحة الفوز بلعبة "سوليتير" إلى الفرحة بإنجازات الأصدقاء، ولحظات رضاهم!
تتقدم خطوة وتحشر الكلام بتغريدة، أو تنشره بمدونة، بدلاً من طباعته ودسه بالرف أو التخلص منه!
توسع دائرة الأصدقاء ، فتتسع دائرة الجمال!
تتجاوز المسافات، تضع قلباً إفتراضياً على جمالٍ مغمور وتغلفه ببسمة :)