من زمان واحد اسمه "ليون فيستينجر" اتكلم على حاجه اسمها فى علم النفس " التنافر المعرفي " Cognitive dissonance ، هى حالة من التوتر أو الإجهاد العقلي أو عدم الراحة التي يعاني منها الفرد الذي يحمل اثنين أو أكثر من المعتقدات أو الأفكار أو القيم المتناقضة في نفس الوقت، أو يقوم بسلوك يتعارض مع معتقداته وأفكاره وقيمه, ببساطه على راى "عادل امام" الممثل المصرى فى احدى مسرحياته " من بره هلا هلا ومن جوه يعلم الله"!
ومن بعده ناس كتير بحثوا فى هذا الموضوع طيلة سنوات ولكن ما الجديد؟ّ! الجميع يعلم أننا نكذب على أنفسنا لنريح ضمائرنا، ولسنا بحاجة إلى كل هذا الكلام, بس هم كده "العلماء يجعلون من الحبة قُبَّة"!.
واحد من الناس اياهم "ماثيو ليبرمان" قدم فرضيات خمس رئيسية لعلم اسمه علم النفس الاجتماعي (العلم الذى يهتم ويفسر سلوك الفرد داخل المجتمع) اثناء القائة اولى محاضراته في جامعة «UCLA» الأمريكية, الفرضيات الخمسه دى بتوضح لينا ازاى بنصدر احكامنا Judgment الغير منطقية وبالتالى غير صحيحه على الغير, حاجه كمان مهمه هتبدأ تفهم ازاى تتفادى ان حكمك على غيرك ميبقاش خطأ " طبعا دا كلام مش هيعجب ناس كتير لان الناس اصلا مبسوطه اوى بتدخلها فى شئون غيرها ومبسوطه بنفسها كده".. تعالوا بقى نشوف ليبرمان قال ايه:
1_ المواقف قوية
المواقف تؤثر, وأحيانًا تتحكم بالكامل، في ما نفعله ونفكر فيه ونشعر به تجاه الأشياء والآخرين. يعنى مثلا الجدل اللى تم ما بين "بكينى" ولا "بوركينى" واصدرا كل واحد حكم وللاسف بيحاول يقنع الجميع به بل بعتبرة الزام ان الكل يقتنع بكلامه, على فكرة انت لو مكان الست دى او دى ممكن اوى كنت تتصرف زيهم بالضبط لانك كنت فى الموقف نفسه.. حاجه كمان يعنى مثلا لو بتقرأ المقال دا وانت اصلا متضايق من شىء او مثلا النت ضعيف هتلاقى نفسك مش مهتم تركز وغالبا مش هتكمل قراءته رغم انه "صدقونى مهم ومفيد وهيخليك تعرف نفسك حبه"!
و دى بقى المشكله الأولى اللى الناس بتقع فيها: احنا غير مدركين لقوة المواقف، ولا قوة تأثيرها على منظورنا إلى الآخرين.
2- في الأغلب، احنا مش عارفين ليه غيرنا بيعمل ويتصرف كده اصلا:
مشاعر وأفكار وشخصيات الآخرين لا نعلم عنها شىء - دا انت نفسك ممكن متقدرش تفهم نفسك - زى ما بدأنا الكلام فوق. احنا بس شطار فى اصدار الاحكام على غيرنا طَوَال الوقت: دا غبيًّا، ودى عصبية ، أما صاحبنا دا بقى شخصية مذبذبة. وأغلب أحكامنا هذه خاطئة تمامًا، ولا أعني أنها خاطئة أخلاقيًّا، وإنما أنها تخمينات خاطئة ليس لها أساس من الصحة.
دى بقى ظاهرة بتحصل لنا في حياتنا باستمرار طول الوقت تقريبًا، الجماعه اللى بيعملوا من الحبه قبة أطلقوا عليها اسم (Fundamental Attribution Error) يعنى "خطأ العزو الأساسي".
تخيل معايا انك سايق عربيتك على الطريق السريع هتلاقى ناس سايقة بسرعات أعلى منك، بالتأكيد هُم حمقى متهورون، وناس تانيه سايقين بسرعات أقل فلا شك أنهم أغبياء بطيئو الفهم، لأن انت حكمت ان السرعة المثالية للقيادة بالتأكيد هي السرعة التي تفضلها حضرتك، علشان كده ، لما تهدئ سرعتك أو تزيدها، سيتحول بعض المتهورين إلى بطيئي الفهم والعكس، لكن هذا لا يهم، فأنت تظل صاحب الحُكم الأمثل بشأن أي سرعة ينبغي اختيارها، مش صح كده؟!
برده نظرتك للاعزب او العزباء, المطلق او المطلقه, المتزوجه التعيسه او السعيده , وغيرها وغيرها كلها نظرات غير مكتمله بل تفتفقر الى جميع اجزائها - سوى جزء واحد فقط – من نسيج خيال سيادتك!
3-: نحن لا نعرف ما لا نعرفه:
ايه بقى الكلام اللى مش مفهوم دا! تبدو وكأنها حكمةٍ من راهب بوذي معتكف على إحدى قمم الهيمالايا، أو كنصيحة تأتيك في الحلم من الفنان غسان مطر بأن "تفعل الصح"!
فكر حبه صغيرة هتلاقيه كلام منطقى, نحن نعرف ما لا نعرفه أحيانًا، فعندما سألني الدكتور في الامتحان الشفوي عن الفارق بين الطاقة الكهربية والطاقة المغناطيسية، كنت أعرف أني لا أعرف الإجابة، وهو أيضًا (للأسف) عرف ذلك عندما حاولت اختراع نظريات جديدة تجيب سؤاله، ولهذا لم أعترض على رسوبي في الاختبار.
المثل الى بيقولك "اللى تعرفه احسن من اللى متعرفوش" اصلا غير منطقى انا اصلا معرفتوش هحكم عليه ازاى بس، وبالتالى فاحنا في الغالب لا نعرف ما لا نعرفه. سنجد أننا غالبًا لا نعرف طبيعة الموقف أو الظروف التي تحتِّم علينا أو على الآخرين فعل شيء ما، إلا أننا مع ذلك نحكم على الأمور بسهولة وبساطة شديدة وباقتناع تام بنتيجة تخميناتنا، دون أن نعترف أننا قد لا نعرف طبيعة الظروف التي أدت إليها.
4-: مدهشٌ كيف أننا شديدو الدقة في صحة أحكامنا عن الآخرين وشخصياتهم
فى نظريه اسمها Thin Slices يعنى " شرائح رقيقة", النظية دى اقترحت ان الأحكام التي نطلقها على الآخرين بناءً على تعامل مبدئي مدته أقل من خمس دقائق، وأحيانًا أقل من نصف دقيقة، تكون في الغالب صحيحة للغاية، بل وربما أكثر دقةً من تلك التي نطلقها بعد فترة طويلة من التواصل الشخصي.
5- لدينا دافعان اجتماعيان أساسيان:
الاول: دايما عايزين غيرنا يعجب بينا (وغالبا لن يحدث), وتملى بنحتاج الى الانتماء. يهمنا اوى اوى الناس "هتقول علينا ايه" حاجه كده زى هنفرح بيك/ى امتى , ايه مفيش حاجه جاية فى السكه؟, ايه بقى مش هتخاويه/يها؟, وهكذا. طيب ايه حكايه الانتماء دى, حاجتنا إلى الانتماء أساسية لبقائنا أحياء، انتماء لمكان, لصداقه , لاسرة , لوطن, لطبقة اجتماعيه معينه "زى البكينيين و البوركينيين"!
الثانى: نحن نرغب في أن نكون صادقين ومتَّسقين، ليس فقط في عيون الآخرين، بل في أعيننا وفي تفكيرنا عن ذواتنا. لا أحد يرغب أن يراه الآخرون كاذبًا- وان كنا كذلك- ولا أن يفكر في نفسه كذلك. وفي سبيل هذا الدافع، نفعل أغرب الأشياء لنحافظ على صورتنا متَّسقة أمامنا وأمام الآخرين. متنسوش بدايه كلامنا عن التنافر المعرفي؟!
بقلم: حازم خيرى (واحد من الكذابين )!