جل مُتعتى حين أذهب للتسوق وأطالع عدد غفير من البائعين والبائعات بأساليبهم المختلفة لجذب المشترى وقوافيهم الشعرية التى لا تجرح حياء المارة. فأقف لأعطى نفسى فرصة وأهيم حباً وإعجاباً بكفاح فئة من الشعب صبور ومكافح ، تسعى إلى التغلب على الشقاء بالإبتسامة. وسعادتى أيضاً أن أتسوق خضرواتى وفاكهتى من هؤلاء الباعه والبائعات ، مبتسماً فى وجههم ومقدراً لكفاحهم. مما جعل بين وبينهم لقاء روحى وتعارف نفسى. فينتظرون قدومى وكأنى بهجة عيدهم والحق يقال أننى أيضا أسعد بلحظاتى معهم. وكانت أكثرهم جذباً لإنتباهى "بائعة الجرجير". تسكب الماء على ما تملك من حطام الأرض (جرجير وفجل وبقدونس وما شابه). تعتنى بهم ، ولما لا؟! فهم ثروتها ومصدر رزقها.
أردت أن يسود مثال هذه الباعة فى كل قطاعات العمل والمهن. فهى لا تفتى فيما لا تعرف. وكل إهتمامها هو عملها فقط. تنقى وتطور بضاعتها باستمرار ، بينما أغلب المهن والموظفين لا يفقهون الكثير عن أعمالهم . ولها نظام يومى ثابت ومُجدول. ولها حس أدبى يُلهم الفنانين والأدباء، شانها فى ذلك شأن سائر الباعة.
ونداءات الباعة فن من فنون الأدب الشعبي لم تحظ بما تستحقه من إهتمام الباحثين ، وقد حظيت بعناية المستشرقين. فهل لمعانيها والحانها علاقة بالتاريخ والجغرافية وعقلية العامة وأخلاقها؟
ومن مأثورات اللهجة المصرية القولية نداءات الباعة الجائلين) والذي يصنف ضمن نطاق الأدب النثري. فالنداءات من فنون الأدب الشعبي التي تتوافر لها طلاوة الأسلوب والأداء المنغم، مضفرة بتمثيلات مشوقة لترويج البضائع. وهو أسلوب له جذوره التاريخية.. هذه النداءات شأنها شأن الفنون الشعبية الأخرى يخالطها شيء من الموسيقى والتمثيل أحياناً.. (فالباعة الجائلون) ينفقون من جهودهم في إلقاء الأغاني والتهريج أكثر مما ينفقون في المساومة على بيع سلعهم. (وكثيرا ما نسمع (مجنونة يا قوطة)، وهو بائع الطماطم الذي نجح بكل تأكيد في إلصاق تلك التهمة المحببة إلى نبات الطماطم الفاكهة المختبئة في شكل خضار.
ومثله بائع (الكريم) الذي ينادي على سلعته فيستخدم التكرار والإغماض والتدوير ويقول:
كريم أم عطية
يخلي البشرة مندية
كأنك لسة مستحمية
كريم أم عطية
يخلي العجوزة صبية
والفلاحة بندرية
بينما يراهن غيره من الباعة الجائلين باللغة على الأداء والدور الذي تؤديه السلعة ( الفلاية نوع من أنواع الأمشاط الخشبية):
أنا معايا الفَلاَّيَةْ
تْطَلَّعْ القَمْلايَة
دَكَرْ وِنْتَايَةْ
بربع جنيه
وهناك نداءات مركبة ينادي فيها البائع على سلع منوعة وكثيرة ويجعل لكل نوع منها نداء يُعد لبنة ضمن البناء الكلي للنداء الكبير للتاجر، ومن ذلك نداء:
الورد كان شوك من عرق النبي فتح
يا تمر حنة رحلنا من منازلنا
يا خوخ خانونا الحبايب واحنا لم خُنا
لمون لامونا العوازل واحنا ما لمنا
يا نبق نبقاش حبايب زي ما كنا
يا صبر نصبر على اللي راح ولم جالنا
الملح في عين اللي ما يصلوا على سيدنا
ولعل من سمات قوة النداءات اختراقها التاريخ منذ حقبة ساد فيها التجوال على الإقامة والاستقرار.ومن نداءات الباعة ما له علاقة بالجغرافية فيقال فى أسواق بيروت : حموي يا مشمش و(شموطي ) يا ليمون وسلموني يا بصل. ومنها ما له علاقة بميزة للصنف كقولهم : أبو ريحه يا خوج وأبو نقطة يا موز. واعتاد بعض الباعة ترغيب الزبائن باستعارة أوصاف لسلعهم من أصناف اخرى ، كقولهم قلب الفستق يا لوز ، قرنك عسل يا خروب . قلب اللوز يا ترمس، بقلاوة يا موز ، مسمار الركب يا فول . ومن الباعة من كان يذكر منافع الصنف فيقول عن الشمندر : للسعلة دوا . للشهقة جوا . بيروّق الدم.
وأحمر وحلو يا بطيخ وعالسكين يا بطيخ . وفى مشهد أخر ترىبائع عنب يرفع بيده العنقود وينظفه بالمقص من الحبات اليابسة وقبل أن يرصه على الرف يقول : حا نشنقو مين بيتشفع فيه ؟
واوحت نداءات الباعة بكثير من الأغاني والأناشيد لكبار الفنانين وعلى رأسهم سيد درويش وعمر الزعني ويحيي اللبابيدي ، فأذن الفنان تدرك ما لا يدركه الإنسان العادي . سمع عمر الزعني سمع بائع التوت ينادي يا توت الشام يا شامي ، والشفا على الله يا شافي ، فنظم اغنية بالعنوان المذكور.
وبالطبع تختلف من تكد و تشقى لكسب لقمة عيش شريفة من البائعات عن تلك التى تمتهن التسول. فلا كرامة ولا جمال نثرى ولا نفع من التسول. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يُذل المؤمن نفسه، قال صلى الله عليه وسلم: " لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ ". حيث تعتبر ظاهرة التسول من الظواهر السلبية الموجودة في المجتمع، وهي تُعبر عن وجود خلل ما في المجتمع وهذا الخلل هو خلل أخلاقي وديني وإنساني، ولهذا يجب أن يتم معالجة هذا الظاهرة التي انتشرت مؤخراً في الدول العربية والإسلامية، لما تسببه من مشكلات كبيرة في المجتمع. ويُعرَّفُ التّسول بأنّه طَلبُ الإنسانِ المالَ من الأشخاص في الطُّرق العامة أو عبر وسائل التواصل الإجتماعى باستِخدام عدّة وَسائل لإستثارة شَفَقة الناس وَعطفهم.
التسول الغير مباشر: ويسمى هذا النوع من التسول التسول الغير ظاهر أو المقنع، حيث يقوم المتسول بالتستر خلف إبداء الرغبة في تقديم خدمة للمارة في الشارع مثل بيع المناديل في الإشارات أو مسح زجاج السيارات في الإشارات وكذلك مسح الأحذية.
التسول الإجباري: وهو عبارة عن أن يقوم شخص بإجبار المتسول على ممارسة التسول في الشوارع ومثال ذلك إجبار الأطفال على التسول.
التسول الإختياري: ويكون التسول بكامل ارادة ورغبة المتسول ويكون غير مجبر على هذا الفعل.
التسول الموسمي: ويقوم المتسول بممارسة هذا النوع من التسول خلال موسم معين أو وقت محدد مثل شهر رمضان والأعياد.
التسول العارض: ويكون هذا النوع من التسول عند تعرض الشخص لموقف معين يطر فيه إلى ممارسة التسول بسبب أوضاعه المالية أو تعرضه إلى مرض، وينتهي هذا النوع من التسول بمجرد انتهاء سبب التسول.
تسول القادر: وهي قيام الشخص القادر على العمل بممارسة التسول في الشوارع، فهو لديه القدرة على العمل ولكنه يفضل القيام بالتسول.
تسول الغير قادر: وهو عبارة عن قيام الشخص الغير قادر على العمل بممارسة التسول وذلك نتيجة المرض او العجر، وتقوم الدولة بإيداع مثل هؤلاء الأشخاص في دور للرعاية.
تسول الجانح: وهو عبارة عن ممارسة بعض الأفعال الإجرامية بجانب التسول، مثل ممارسة السرقة أو الخطف بمصاحبة فعل التسول.
علاج ظاهرة التسول في الشوارع:
1- القضاء على مشكلة البطالة في الشباب.
2- محاولة لرفع معدلات العدالة الاجتماعية في المجتمع.
3- رفع معدلات النمو الاقتصادي والإهتمام بالفقراء
4- تقديم الدعم للفقراء والمرضى وإيداعهم مراكز تأهيل
5- وضع قوانين صارمة لمنع ظاهرة التسول.
6- عدم التجاوب مع الحسابات الوهمية والأرقام العشوائية.
وتطور عبر مواقع التواصل الإجتماعي نشر التغريديات والمنشورات، التي تتحدث عن التبرع لصالح الفقراء، أو المساهمة بعلاج مريض، أو مساعدة طالب جامعي في إكمال دراسته، فجمع التبرعات إلكترونياً أصبح ممارسة ملحوظة يزاولها بعض الأشخاص، بذريعة الأجر والإسهام في مساعدة الآخرين.
وأخيراً، فقد وردت في السنة النبوية أحاديث كثيرة تحرم التسول و من هذه الأحاديث:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللَّهم عَنْهم إِنَّ نَاسًا مِنَ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُمْ ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ.
فالبعض من المتسولين يكون ذا مال ومسكن و ميسور الحال إلا أنه تعود على التسول وجعل من هذا الأخير مهنة له. فحل مشكلة التسول تقتضي أن يتداخل فيه كل ما هو قانوني و تربوي من جهة، و اجتماعي و اقتصادي من جهة أخرى.