Image title
اعــــــرف نفســـــك... يا طيــببقلـــــم الأديــــــب المصــــرىد. طـارق ر ضـــــوان جمعـــة عقــــــــل

الموقف إختيار، السّعادة إختيار ، التّفاؤل إختيار ، الطيبة إختيار ، العطاء إختيار ، الإحترام إختيار ، وأيًّا كان الإختيار الذي تقوم به إخترهُ بحكمة. الطيبة هي لغة يستطيع الصّمُّ سماعها، ويمكن للمكفوفين رؤيتها (الكاتب مارك توين). وسبحانه القائل في محكم كتابه الكريم: “أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ”.

بالأمس   القريب  أخذنى  النقاش مع  صديق  عزيز حول  فضيلة"  الطيبة". فأتهمنى على   حرج  بأنى طيب وكأنها سُبة.  ورغم   شغفى بهذه الصفة التى  صارت أفة  فى عصرنا المؤمن بالماديات، إلا أن  صيغة  الإتهام  فى حد ذاتها  ومن صديق مُقرب  إلى  نفسى كانت لاذعة و قاسية،  رفضتها   سجيتى. فرأيت أن  أتروى فى  دفع  الظلم عن  ذاتى ،  فشخصيتى خليط  من أشياء   كثيرة،   شأنى  فى  هذا شأن  بيئتى  فأنا وليد البيئة وأرث خِصالها. فمعتقدى أن اللّطف في الكلمات يخلُق الثّقة، والطيبة في التّفكير تخلق العُمق. اللّطف في العطاء يخلق الحبّ .  والرّأس الجيّد والقلب الطّيب هما دائمًا مزيج هائل، لكن عندما تضيف إلى ذلك اللّسان أو القلم المُتعلِّم، يكون لديك عندئذٍ شيء مميّز للغاية (رئيس جنوب أفريقيا الأسبق نيلسون مانديلا(.

فإن كنت تحب الوداعة والطيبة،  ورأيت أمامك شخصاً يأخذ موقفًاً حازمًا فلا تظن  أن  المثاليات  قد  تحطمت. هنا تبدو خطورة الفضيلة الواحدة. فالحياة الروحية ليست فضيلة واحدة مع إهمال غيرها. إنما هي حياة متكاملة فيها كل الفضائل. ومن جميعها يتكون نسيج روحي واحد. فالمرء عليه  أن  يستخدم الحزم حينما يلزم الحزم لحسم الأمور. وأن يستخدم الوداعة حينما تحسن الوداعة. وفي وداعتك لا تكن لينًا بطريقة تتعبك... وفي حزمك لا تكن عنيفًا بطريقة تتعب غيرك.

فالأباء  والمدرسين يجب أن يكون في طبعهم الحنو، وتكون لهم أيضًا الهيبة. وليس من الصالح أن حنوهم يفقدهم هيبتهم. فالهيبة لازمة لحفظ النظام وحفظ القيم. والحنو لازم حتى يطيع الناس بدافع من الحب، وليس بدافع من الرعب.

وبين الطيبة والسذاجة نية نقية. لأن طيبة القلب دليل على التغافل لا الغفلة، فالطيبون يرون كل شيء على صورته الحقيقية، لكن ما يميزهم عن غيرهم أنهم يبحثون عن الجمال في كل شيء. ولذلك يقول(آدم ليندساي غوردون) الحياة في معظمها زبد وفقاعة، وشيئان يقفان مثل الحجر، هما الطيبة مع مشاكل الآخرين، والشّجاعة مع نفسك .

ويرى بعض  الأدباء  أن الطيبة  تمثل وجدة لأصحابها:"الوحدة الحقيقيّة تعيش بين هؤلاء الأشخاص الطّيبين، الذين لا يطلبون سوى الدّعاء لهم (إديث وارتون). ويرى   البعض الأخر   أن الطيبة والرّقّة ليستا من علامات الضّعف واليأس، وإنّما من مظاهر القوّة والقرار. ابحث دائمًا عن الفرص لجعل شخص ما يبتسم، وقدّم أعمال الطيبة عشوائيًّا في الحياة اليوميّة. عامل الجميع بلطف وطيبة، ليس لأنّهم لطفاء، ولكن لأنّك كذلك.

كيف تعرف أنك طيب؟

يقول شكسبير في إحدى مسرحياته : “الطيبة ليست غباء بل حسن تربية”. فالطيبة طاقة إيجابية . وللإنسان الطيب صفات جميلة عديدة، فهو يسامح من أساء إليه ويكون مستعداً للعطاء دائماً دون أن يتوقف ويسأل عن المقابل وصادقاً في تعامله ونظيف اليدين كنظافة قلبه. الإنسان العفوي يمتاز بطيبته الزائدة عن الحد، من هنا تعتبر العفوية من الصفات المحببة والمرغوب بها عند التعامل مع الناس، إن العفوية هي الفطرة الأساسية التي يخلق عليها الإنسان، وأن يتصرف بطبيعته وبنية وفطرة طيبة، دون محاولات الغش والمراوغة والتلاعب بالآخرين. ولكن يجب الأخذ في الاعتبار الفرق بين العفوية الممزوجة بالسذاجة المتزنة، والسذاجة فقط لأنها تعطي عنك انطباع سيء، ولكن الاتزان مطلوب من أجل كسب احترام الآخرين. ولكن ما هو مثير للقلق أن تكون عفويتك غير مدروسة أو غير منمقة ففي بعض الأحيان العفوية تكون صادمة فيجب أن تكون خلوق مجامل غير منافق. وهناك شعره بين السذاجة والعفوية المتزنة  فيجب ألا يفتقر  كلامك للأدب   مع مراعاة  شعور  الأخرين.

  ولكن هل الطيبة مادة دراسية  خصبة  لعلم النفس؟

كان  لعلم  النفس رأى   خاص حيث يقول العلاج النفسي والسلوك في العفوية أن  الشخصية العفوية نتاجاً لأسرة ضعيفة الاحتكاك الاجتماعي بالآخرين وتفتقر الخبرة .لذلك يشعر الشخص الطيب دائماً  بالمؤامرة  عليه، بما يشكل شخصيته الانطوائية المفرطة، واحتباس المشاعر والانفعالات. ويؤدي ذلك إلى الوسواس القهري والقلق الدائم الذي قد يصل في حالات كثيرة إلى الاكتئاب الحاد. ونجد أن ذلك الشخص يرمي اللوم على أسرته أنهم السبب فيما يعانيه. وبالعكس نجد أن العائلات ذات الأسلوب المفتوح من علاقات الأسرة يكسب الشخص فيها خبرات كبيرة وناجحة، بما يحوله إلى شخصية متزنة في علاقاته وانفعالاته وسلوكياته.

وأستوقفتنى مقولة  دكتور الطب النفسي جمال فرويز "أن الفرق الوحيد هو بين ناس بتتعامل بأخلاقيات وناس بتتعامل بلا أخلاقيات. " ويوضح أن الإنسان الطيب بيتعامل وفق الأخلاق والقيم والموروثات اللي اتربى عليها، يعني أنا لما مريض بيجي ليا ومش هيقدر يدفع تمن الكشف بدخله عادي يكشف وأنا اتعاملت معاه وفق للأخلاقيات اللي اتربيت عليها ممكن حد يبص عليا إني مغفل لكن هو حر في نظرته دي وأنا مليش دعوة برؤية الأخرين ليا أنا بتعامل بأخلاقي.

وبيأكد «فرويز» أن زي ما فيه ناس بتبص على طيبة الشخص إنها سذاجة فيه ناس تانية بتبص على إن طيبة الشخص وراها غرض سيء ودي بتكون شخصية سيكوباتية بتشوف إن أي حد بيعمل حاجة بيكون وراها غرض سيء لأنه بيتخيل الناس سيئة الظن زيه، وبرضه الشخص الطيب مش مسؤول عن نظرته ليه إن طيبته دي وراها غرض سيء.

ماذا  عن  بعض   أراء   الطيبين؟

ذكرت  أحدى السيدات أن «ربنا عارفك كويس قوي وطول ما أنتي قريبة منه هيديكي حالة من التصالح والثقة بالنفس تخليكي لما حد يقولك إن طيبتك دي سذاجة متتوتريش وتحاولي تثبتي عكس نظرته ليكي وده لأن الناس كده كده بيتكلموا وبيحكموا".

وأوضحت أخرى  "الشعراية" اللي بتفصل بين معنى الطيبة والسذاجة وقالت   أن "الطيب بيبقى متسامح مع حد مثلًا إستغله أو آذاه بس في نفس الوقت يقدر يأخذ موقف لو لقي الموقف بيتكرر تاني وتالت ومش هيتضحك عليه تانى يعني، أما الساذج هو اللي ممكن يفضل يتضحك عليه والناس تستغله وهو برضه مش بياخذ موقف ولا بيتعلم من اللي حصله"

وختاماًفالمهم ليس رأى  الناس، المهم  هو أنتقتنع  بما تفعله . فأنت حر وأنت المسؤول  الأول عن سعادتك أوحزنك،  مكسبك أوخسارتك. تكسب ثواب بدعوة  أحدهم لك، أم تكسب سيئة كل هذا  يرجع  لك. دمتم بكل الطيبة  والخير والسعادة   أعزائى القُراء.