د. علي بانافع
من خلال ما كتبته في حلقات ماضية من قصص كفاح ثم نجاح، عن أساتذتي الكِبار بقسم التاريخ في جامعة أم القرى، فأود أن أُشير إلى ما تكوَّن لدي من كلام سلفنا، وصدقته رِياح العُمر والتجارب المُرة: "إنكم لا تدركون ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون" و "من صبر على ما يكره رأى ما يحب". ومن فنون الإدارة -والجماعية منها بالذات- جعلني أصل إلى قناعة أن أسلوب العمل في بعض المهن أو خوض المهنة من دون دراستها قد يكون -في أحايين كثيرة- أجدى وأنفع بل أفضل، وخير دليل ومثال على صحة ما ذهبت إليه، مهنٌ كالإدارة، والتربية، والإعلام، والدبلوماسية، وغيرها، فهي تعتمد على الشخصية والموهبة والقدرة والإمكانية بلغة العصر (الكاريزما) وهي مزيج متجانس من: العلم + الفن + التلقائية + القابلية.
لو سألت أي شخص بلغ منزلة رفيعة من منازل العلم أو الجاه أو المال أو الشُهرة: "هل كنت في بدء حياتك قد وضعت نصب عينيك هذه المنزلة التي أنت فيها فسعيت نحوها حتى وصلت إليها؟" فإنه يُجيبك بالنفي على أرجح الظن، لأنه من النادر جداً أن تجد شخصاً وضع في بدء حياته خطة دقيقة للعمل فسار عليها خطوة بعد خطوة، ثم نال النجاح أخيراً على أساسها، معظم الأشخاص يتجهون في أول أمرهم نحو غاية، ثم ينحرفون عنها يُمنة أو يُسرة أو ينحرفون عنها بالكُلية، فواقع الحياة أقوى من أية خطة يضعها عقل محدود؛ فالإنسان ينجرف بتيار الحياة، ويسير كما تُمليه عليه ضرورات الواقع الذي يعيشه، فإِذا نجح تملكه الغرور ونسب كل فضل في نجاحه إلى نفسه، أما إذا فشل -ولا حول ولا قوة إلا بالله- نسب وفسر وعلل فشله بالحظ، فالإنسان منا لا يحب أن ينسب قسطاً من فشله إلى ضعف صدر منه؛ فينسبه إلى الحظ ينسج منه علة لتبرير فشله أو شقاءه والعياذ بالله، فالفاشل يؤمن بوجود الحظ بينما الناجح ينكر وجوده، ولا بد أن نقف بين هذين الموقفين موقفاً وسطاً، ونحاول أن نتعلم من كل تجربة ما هو جدير بالتعلم منها.
قصة كفاح ليلة الثلاثاء 30/ 11/ 1441هـ مع أستاذنا عاشق مكة المكرمة وابنها البار الدكتور فواز بن علي الدهاس، وقد كانت قصة بسيطة عفوية تلقائية دون تَكلُفْ، انتقاء الألفاظ بما يناسب مسامع المخاطبين، انتقاء إيماءات العيون، انتقاء حركات الوجه والجسد بما يناسب الموقف، وبذلك نفى عن نفسه وعن من يسمعه ويشاهده نزغ الشيطان، فإن النفس فيها من حظ الشيطان ينشط عندما يجد مساحة من الظن السيء، قال تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} [الإسراء: 53]. ولقد تميزت قصة وتجربة الدكتور فواز الدهاس بالعفوية المطلقة، وحُسن الظن بالله ثم بقدراته، والاستفهام عن مجمل إمكانياته وما يحتاجه ويلزمه منها، وكذلك الحوار بالتي هي أحسن، أذهبت عنه نزغ الشيطان وحظه، فشكراً جزيلاً لمن بقِيَتْ فيهم أخلاقُ الآباءِ والأجدادِ المُسْتَمَدَّةُ من أخلاقِ رسولِ الله ﷺ وصحابته الكرام رضي الله عنهم راسخة، ومن خلال سرد الدكتور فواز الدهاس لقصة كفاحه وتجربة نجاحه وصلت إلى فوائد جمَّة:
_ إذا أردت أن تكون ناجحاً، فعليك بمخالطة الناجحين في كل التخصصات، ابحث عن الناجحين في مجالهم، وصاحب الإيجابي والمتفائل تكن ناجحاً -إن شاء الله- هذا هو سِرُّ النجاح ببساطة.
_ لا تعجب كثيراً بعقلك ولا بعلمك ولا بشهادتك ولا بمنصبك ولا بجاهك ولا بما وصلت إليه، وتدبر قول الله تعالى: { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا } [النساء: 83].
_ إذا أردت أن تروج لفكرك أو مشروعك أو قضيتك؛ فلا تكن صريحاً مع جميع الناس، لأن الصراحة مع من تحب فقط، ومن منهم يُقَدِّر الصراحة، فالصراحة والشفافية ليست دائماً هي مفتاح للحل، مع الأسف ضِيِّعَتْ العديد من الفرص بسبب الصراحة في غير محلها، وقد قيل: ما كُل ما يُعرف يُقال؟! ولا كُل الحقيقة تُقال؟!.
سلمت يا شيخنا وأستاذنا الدكتور فواز بن علي الدهاس، على هذه النصائح، وصح الله لسانك، ورفع الله شأنك، وعلَّى مقامك، وفقكم الله لما يحب ربنا ويرضى ولا تنسونا من خالص دعائكم ودمتم بخير ..