ﻛﺎﻥ ﻋﺜﻤﺎﻥ شابا مشاغبا ﻭﻣﺸﺎﻛﺴﺎ، ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎﻥ ﻣﺤﺒﻮﺑﺎ ﻟﺪﻱ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ.. عاش ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﺳﻌﻴﺪﺓ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﺤﺒﻬﻢ ﻭﻳﺤﺒﻮﻧﻪ ﻣﻦ ﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻪ ﻭﺃﻗﺮﺑﺎﺋﻪ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻋﻼﻗﺎﺗﻪ ﻗﻮﻳﺔ ﻭﻣﺘﻴﻨﺔ ﻋﻨﻮﺍﻧﻬﺎ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻭﺍﻟﺼﺪﻕ.. ﺣﻴﻨﻬﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻤﺮﻩ ﺍﺛﻨﺘﻲ ﻋﺸﺮﺓ ﺳﻨﺔ ﻭﻛﺎﻥ ﻭﺍﻟﺪﻩ “مغتربا” ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﺒﻼﺩ..

ﻋﺎﺵ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻣﻊ ﻭﺍﻟﺪﺗﻪ ﻭﺃﺧﻮﺍﺗﻪ ﺍﻷﺭﺑﻊ ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻝ ﺟﺪهم.. ﻭﺑﻤﺮﻭﺭ ﺍلأﻳﺎﻡ ﺃﺣﺴﺖ ﻭﺍﻟﺪﺗﻪ ﺑﺄﻥ ﺃﺑﻨﺎﺀﻫﺎ ﻳﺤﺘﺎﺟﻮﻥ ﺇﻟﻲ ﺭﻋﺎﻳﻪ ﻭﺗﻌﻠﻴﻢ ﻭﻋﻨﺎﻳﺔ ﺃﻓﻀﻞ.. ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻘﺮﻭﻳﺔ ﻗﺪ ﺗﺆﺛﺮ ﻋﻠﻲ ﻓﺮﺻﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ، ﻭﺭﺃﺕ أﻥ ﺗﻨﺘﻘﻞ ﺑﻬﻢ ﺇﻟﻲ “ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ” ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺮﻏﺪﺓ ﻭﺗﻮﻓﺮ ﺧﺪﻣﺎﺕ ﺍﻟﺼﺤﺔ، ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﺠﻴﺪ، ﻭﺍﻟﺮﺍﺣﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ..

ﻓﻲ ﺑﺎﺩﺉ ﺍﻷﻣﺮ ﻛﺎﻥ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻣﺘﺤﻤﺴﺎ ﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻝ ﺇلى ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ.. ﻭﺃﺷﺮﻗﺖ ﺷﻤﺲ ﺃﻭﻝ ﻳﻮﻡ ﻟﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻤﻨﺰﻟﻬﻢ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ.. ﻭﻛﺎﻥ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺳﻌﻴﺪﺍ إلى حد ما، ﻭﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮﺓ ﺃﺻﺒﺢ ﺃﻛﺜﺮ ﺷﻌﻮﺭﺍ ﺑﺎﻟﺤﺰﻥ؛ ﻟﺒﻌﺪﻩ ﻋﻦ ﺃﻫﻠﻪ ﻭﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻪ، ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﻴﺸﻬﺎ ﻣﻌﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻳﺔ.. ﻭﺃﺣﺲ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﺎﺭﻗﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺃﺳﻌﺪ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﻭﺑﺪﺕ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻼﻣات ﺍﻟﺤﺰﻥ ﻭﺍﻟﺘﻮﺣﺪ، ﻭﺳﺎﺀﺕ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﻣﻊ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﻴﺖ.. ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺘﺤﺪﺙ ﻣﻌﻬﻢ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺳﺎﺑﻘﺎ ﻭﺗﻐﻴﺮﺕ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻛﻼﻣﻪ ﻭﺭﺩﻭﺩ ﺃﻓﻌﺎﻟﻪ..

ﺃﺻﺒﺢ ﺍﻧﻔﺮﺍﺩﻩ وﺟﻠﻮﺳﻪ ﻣﻊ ﻧﻔﺴﻪ ﺍﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺫﻱ ﻗﺒﻞ.. ﻻ ﻳﻤﻴﻞ ﺇﻟﻲ ﺍﻟﻤﺰﺍﺡ ﻣﻊ ﺃﺧﻮﺍﺗﻪ ﻭﻛﺎﻥ ﻫﻮ ﺃﺻﻐﺮﻫﻢ ﻋﻤﺮﺍ.. ﺃﺻﺒﺢ ﻣﻨﻌﺰﻻ ﺣﺰﻳﻨﺎ ﺑﺎﺋﺴﺎ.. ﻳﺰﺩﺍﺩ ﺷﻮﻗﺎ ﻟﻘﺮﻳﺘﻪ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ.. ﻭﻛﺎﻥ ﻻ ﻳﻤﻠﻚ ﻫﺎﺗﻔﺎ ﻟﻴﺤﺎﺩﺙ ﺃﺻﺪﻗﺎﺀﻩ ﻣﻤﺎ ﺯﺍﺩﻩ ﺑﺆﺳﺎ ﻭﺣﺰﻧﺎ.. ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺭﺍﻏﺒﺎ ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺃﻳﺔ ﺻﺪﻗﺎﺕ ﺟﺪﻳﺪﺓ..

ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮﺓ قصيرة ﻣﻦ ﺍﻧﺘﻘﺎﻟﻬﻢ ﻟﻠﻤﺪﻳﻨﺔ، ﺑﺪﺃ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﻲ، ﻭﻛﺎﻥ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﻓﻲ نهاية المرحلة ﺍﻷﺳﺎسية، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺴﺘﻌﺪﺍ ﻟﻠﺘﻮﺍﺻﻞ ﻣﻊ ﻃﻼﺏ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ.. ﻛﺎﻥ ﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﺗﻌﺎﻣﻠﻬﻢ ﺳﻴﺌﺎ ﻣﻘﺎﺭﻧﺔ ﺑﺘﻌﺎﻣﻞ ﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻪ ﺍﻟﻘﺮﻭيين.. ﻭﺃﻥ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﺣﺪﻳﺜﻬﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﻪ ﺇﻟﻴﻪ.. وﺃﺻﺒﺤﺖ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﺎﻟﻄﻼﺏ ﻋﻼﻗﻪ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻭﺯﻣﺎﻟﺔ ﻓﻘﻂ.. ﻭﻣﻀﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﻲ ﻭﻣﺎ ﺯﺍﻝ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻋﻠﻲ ﺣﺎﻟﻪ.. ﺑﻞ ﺃﺻﺒﺢ ﻛﺜﻴﺮ ﺍﻟﺸﺠﺎﺭ ﻣﻊ ﺃﺧﻮﺍﺗﻪ ﺩﻭﻥ ﺃﺳﺒﺎﺏ معروفة..

ﻧﺠﺢ ﻋﺜﻤﺎﻥ بدرجات تؤهله للثانوية.. ﻭﺍﻧﺘﻬﺖ ﺍﻟﻌﻄﻠﺔ ﺍﻟﺼﻴﻔﻴﺔ ﻟﻴﺠﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﻪ ﺍلجديدة ﺷﺎﺑﺎ ﺑﺎﺋﺴﺎ ﻻ ﻳﺤﺐ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻊ ﺯﻣﻼﺋﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻒ ﻭﻻ ﻳﺤﺒﺬ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺰﻝ؛ ﻷﻥ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺤﻲ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻨﺎﺩﻭﻧﻪ ﺑﺎﺑﻦ ﺍﻟﻘﺮﻳﺔ ﺍﻟﺒﺎﺋﺲ ﻭﻳﺴﺘﻬﺰﺋﻮﻥ ﺑﻪ.. ﻟﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﻳﻔﻀﻞ ﺍﻟﺠﻠﻮﺱ ﺑﻤﻔﺮﺩﻩ ﻟﻴﻤﺎﺭﺱ ﻫﻮﺍﻳﺎته في ﺍﻟﺮﺳﻢ ﻭﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ ﻭﻣﺸﺎﻫﺪﺓ ﺍﻟﺘﻠﻔﺎﺯ..

ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻣﻨﻴﺔ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﺼﺒﺢ ﻣﻬﻨﺪﺳﺎ ﺑﺎﺭﻋﺎ ﻟﻜﻦ ﻃﻤﻮﺣﺎﺗﻪ ﻗﺪ ﺗﻐﻴﺮﺕ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻝ ﻟﻠﻤﺪﻳﻨﺔ ﻭﻋﺪﻡ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻧﺪﻣﺎﺝ.. ﻭﺗﺤﻄﻤﺖ ﺁﻣﺎﻟﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺠﺎﺡ ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺘﻐﻴﺮ ﺇﻟﻲ ﺍﻷﺳﻮﺃ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﺟﺪﻳﺪ ﻭﺻﺎﺭ ﻣﻬﻤﻼ ﻟﺪﺭﻭﺳﻪ ﻭﻫﻮﺍﻳﺎﺗﻪ نفسها..

ﺃﺻﺒﺢ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻋﻨﻴﻔﺎ ﻭﺍﺳﺘﻤﺮ ﺑﻪ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺍﻟﻲ ﺍﻟﻌﻄﻠﺔ ﺍﻟﺼﻴﻔﻴﺔ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﻭﻗﺮﺭ ﺍﻟﺬﻫﺎﺏ ﺇﻟﻲ ﺍﻟﻘﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺃﻭﻝ ﺯﻳﺎﺭﺓ ﻟﻪ بعد الانتقال.. ﻭﻭﺟﺪ ﺃﺻﺪﻗﺎﺀﻩ ﻣﺎ ﺯﺍﻟﻮﺍ ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍلأﺷﺨﺎﺹ ﺍﻟﻄﻴﺒﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﻤﻠﻮﻥ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﻟﻜﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ..

ﻭﺑﻌﺪ ﺍﻧﺘﻬﺎﺀ ﺍﻟﻌﻄﻠﺔ ﺭﺟﻊ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻭأﻓﺮﺍﺩ ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ إلى ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ.. ﻭﻧﺪﻡ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺗﻐﻴﺮ ﺗﺼﺮﻓﺎﺗﻪ ﻭﺣﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﻳﺤﺴﻦ ﻣﻦ ﺗﻌﺎﻣﻠﻪ ﻟﻴﻌﻮﺩ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻃﻴﺒﺎ ﻃﻤﻮﺣﺎ.. ﻭﺑﺪﺃﺕ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﺣﻴﻦ ﻧﺠﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻮﻳﺔ ﺑﻨﺴﺒﺔ ٨٠% ﻭﺃﺧﺬ ﻳﺘﻐﻴﺮ ﻳﻮﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﻳﻮﻡ ﺇﻟﻲ ﺍﻷﻓﻀﻞ ﻭﺗﻐﻴﺮ ﺳﻠﻮﻛﻪ ﻣﻊ ﺃﺧﻮﺍﺗﻪ.

ﻭﻣﻊ ﺩﺧﻮﻟﻪ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﻪ ﻋﺎﺩ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻟﺤﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ.. ﻋﺎﺩ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺎﺏ ﺍﻟﻄﻴﺐ ﺍﻟﺠﺎﺩ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻭﻗﺪﻭﺓ ﺣﺴﻨﺔ ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ.. ﺣﻴﻨﻬﺎ ﺃﺩﺭﻙ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻬﻢ ﺟﺪﺍ ﻭﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ: “ﻟﻜﻞ ﺷﺨﺺ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ.. ﺗﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﻧﻔﺴﻚ ﻟﻜﻲ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺍﻷﺧﺮﻳﻦ”.

ﺗﺨﺮﺝ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻭﻋﺎﺵ ﺣﻴﺎﺓ ﻓﺮﺡ ﻭﻣﺤﺒﺔ ﻭﺳﻌﺎﺩﺓ ﻭﺗﻮﺍﺻﻞ ﻣﻊ ﺃﻫﻠﻪ ﻭﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ.