Oktob
كتاب مميزينالأكثر مشاهدةأحدث المقالات
ا

عضو نقابة الاتحاد العام لكتاب مصر نائب رئيس تحرير صحيفة صوت مصر الحرة

مدة القراءة: دقيقة واحدة

الوجه الحسن

رؤية نقدية


حرارة الكتابة بين الشكل و المضمون


فى مجموعة " الوجه الحسن "


للقاص / محمود محمد طبل


بقلم : حسن غريب أحمد


كاتب وناقد مصري


_________________________


هذه هى باكورة الإبداع للقاص السيناوى محمود محمد طبل و هى بلا شك تستحق الوقوف عندها ، لأن البداية تشير لما بعدها


** البيئة و المخيلة فى القصة


و مجموعة " الوجه الحسن " كما سنرى تنتمى للبيئة المحلية السيناوية ، و هو نوع من الأدب تحرص عليه الأمم لأنه يسجل بطولاتها و تضحية أبنائها من اجل الأرض و المبدأ و يترك للأجيال التالية القدوة و المثل فى الكفاح من أجل القيم النبيلة .


تضم المجموعة التى بين أيدينا – الآن خمس و عشرون قصة هــــــى : -


( الوجه الحسن – الاغتيال سرا – غادة – البداية – فتى الفتيان – الجذع الخرب – شئ من الأرض – أسياد ،أحياء و أموات – النظرة الخيرة – الحصاد مرتان – دفء – وصية- غفوة – نظرة واحدة تكفى – كوب شاى – الحلم الضائع – أم الغيث – دائما النتيجة تختلف – إنذار – التل الأحمر – نور فى فنجان – حروف ترتجف – الطوق – التحدى – انتصار ) .


و فى حرص الكاتب على عدم تدوين تاريخ كتابة كل قصة ، دليل على أنه اختار نماذج من كتاباته الأخيرة فى الثمانيات و التسعينات ،و فيه إشارة إلى المناخ الذى كتبت فيه كل قصة . و الظروف التى احاطت بها ، و هى أمور يدركها الناقد دون إفصاح الكاتب عنها .


- و لعل الكاتب لم يختلف مع مضمون قصص هذه المجموعة ، و لا مع قضايا بيئته التى تحيط من حوله ، و لا مع القضايا التى أثارتها ،و لا مع الموضوعات التى تناولتها .


فالكاتب جاد فى أن يكون " واقعياً " معايشاً لقضايا الناس ، متلمساً أسباب مشكلاتهم و أحلامهم وتاريخهم و عبق ذكرياتهم ، مجسداً التناقضات الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية الصارخة مبرراً تلك القوى التى تنخر فى عظام المجتمع كالسوس ، منحازاً إلى تلك القوى المطحونة التى تئن تحت وطأة ضغوط الاحتلال الإسرائيلي لسيناء رافضاً كل صور الاستغلال و القهر و السلب الذى يستند إلى أسس غير إنسانية و غيروطنية وغير أخلاقية .


لسنا – إذن – أمام كاتب رومانسى حالم يتناول مسائل الحب ، و الموضوعات الخاصة بالقلب و المحبين العاشقين ، كما إننا لسنا إزاء كاتب يكتب للتسلية و الترفيه و دغدغة المشاعر و تملق الغرائز ،ومن ثم فإننا لن نظفر لديه بشخصيات تنتمى إلى الطبقة الأرستقراطية أو البورجوازية الجديدة أو ما لف لفهمها و لكنا سوف نعيش مع الأب الذى أحتضن وديعته يقبلها و يودعها و هو يئن و يتألم ( الوجه الحسن ) و الرجل الهرم الذى يريد أن ينتصر على هرمه و طفولته فى مبارزة واحدة ( الاغتيال سراً ) و الفتاة التى لمحتها العيون الصابحة فتعثرت على الطريق و هى تغازل الدنيا بأسرها ( غادة ) ، و الأستاذ الذى يضع نفسه على كرسى معدنى مبطن بالإسفنج و الجلد الأسود ليفتح الأحرف الهجائية باللغة الإنجليزية التى يتذكرها ليقرأ الدرس الأخير و ينطلق ( البداية ) ،أو الفتوة الذى جاوز عمره الآن ستين و تخرج فى الكلية الحربية ، و أصبح جندياً يشار إليه بالبنان الذى عانى الانكسار ( فتى الفتيان ) أو الذى يربت على ظهرها ، يذكرها بحديث جدته له صغيراً عن قصة قديمة لأم و أبناء و أب فاجر كـ ( الجذع الخرب ) .


** اللقطة المفردة


إن الشخصيات التى انتقاها الكاتب و المواقف التى اختارها تؤكد – جميعاً أنه كان كاتب يعيش واقعه الاجتماعى و الإنساني ، و يعرف دوره جيداً و ليس على مستوى البيئة السيناوية فحسب ، و لكن على مستوى المجتمع المصرى كله .


ذلك أنه واحد من أبناء شمال سيناء الذين يجتهدون فى أن يكون لهم دور فى حركة الأدب و الفن فى مجتمعنا .


ومن ثم فإنا نلاحظ أن ظل شمال سيناء و عبقها متواجد فى هذه المجموعة القصصية و بكثرة اللهم إلا ذكر أسماء بعض الأماكن غير المحددة فى قصة أو قصتين.


كما أن قصة ( أسياد – أحياء و أموات ) تدور فى مدينة العريش و تبرز مقاومة أبناء البلدة ضد الصهاينة المحتلين فهى ظواهر لا تنفى أنه يكتب عن قضايا سياسية و إنسانية و اجتماعية تهم الإنسان السيناوى و المصرى المأزوم ، المطحون ، فى مختلف المواقع و الأقاليم و فى المستوى الاجتماعى الذى طال حرمانه ، و ما يزال يطحن فى كل لحظة و فى كل حين .


و فى معظم القصص التى تضمها هذه المجموعة نجد الكاتب حريصاً على تجسيد مواجهة من نوع ما ، بين من ينتمون إلى الفئات الدنيا ، و أولئك الذين تسببوا مصرع حلمهم أو حرمانهم أو فى ظلمهم ، و لإبراز نوع العلاقة بين الطبقات الاجتماعية ، و القيم الأخلاقية التى أصبحت سائدة و السر الكامن وراء انتشار التفسخ الاجتماعى و الانهيار الأخلاقي و عدم التماسك بين عناصر البنية الاجتماعية .


و أحيانا تكون هذه المواجهة بين من ينتمون إلى فئة واحدة مستغلة ( النظرة الأخيرة ) عندئذ يكون الصراع متكافئاً ، و تكون النتيجة مدمرة للجميع .


و لعل هذا هو الذى يقصده الكاتب فى حين أن الصراع فى ( الحصاد مرتان ) و ( دفء ) و ( وصية ) بين قوتين غير متكافئتين ، لذا فإن النتيجة النهائية تأتى فى صالح الأقوى مادياً ووظيفياً و اجتماعياً ففى ( الحصاد مرتان ) يدور الصراع بين الذين ينتظرون حلم المولود و السباطة التى تهوى من على النخلة بدءا من حامد ، انتهاء بامينة و بين ( الشمس ) بالهيشة التى تحجبها و السماء التى تحملق تارة فيها و تارة أخرى فى زوجها المعلق فوق النخلة ما بين السماء و الأرض .


الشخصية الواحدة للقصة


أنهما يعيشان واقعاً قاسياً و يسكنان فى كوخ من الصاج يضم الزوجة و الأولاد و حلمهما لا يشى بتطلعات أكثر من حلمهما بأن تستمر الشمس مشرقة حتى يأتيها المخاض و تهوى السباطة من أعلى النخلة و حتى يجلسان أمام الكوخ حيث يكون الدفء و الحنان ، و القصة قمة فى السخرية المرة من التناقضات الصارخة فى المجتمع .


البسطاء يحلمون أحلاماً متواضعة لا إسراف و لا مغالاة فيها ، لا شئ إلا لأنهم أخذوا على عاتقهم إنها لن تتحقق ، أو ما قد يجعلوا تحقيق الحلم – فى الحصاد – منه سندا لحيطان أكواخهم المتهدمة – فى حين أن حلم حامد هو قطع سباط النخيل أما أمينة فى لحظة المخاض و الولادة من عناء و تعب شديد .


من يستطيع أن يعرف صبابة الكائنات تحت ضجيج هذا الزمان ، زمان الوثوقية و الطمس و الاستعارة ؟ تلك مغامرة أباحت ( محمود محمد طبل ) لأنامله الورعة إدمان محاولة الوصول إليها بأدوات الحلم و المخيلة ، فسار وحيداً يلعب فى أوتار أعصابه الطنين ، تقدم حمل خطوة الريح و جذوة الاشتعال ، و طأ يابس مشحوذ بأصداف الغرابة ، وجهته السؤال و جمرة الشك ، هو الحلم أداته و طريقة ، يمشى و لا يتوقف ، فلربما تخايل نصاً قادرا على لذة الانكشاف و رجفة العناصر نص يشف عن الهمهمات البدائية الساكنة فى قلب الضجيج .


و لكن ، كيف يجرؤ أن يشهق فى بهاء الكون و عكارته ، أن يحدق فى كلمات لا تشبه الكلمات له المحور النسيان و النقصان .


إن " الوجه الحسن " هو مقتل هذا الكون هو مولده و سر ضعفه " الماء غطى الوتد الموثوق ، من إليه قاربها الحبل البرتقالى اللون "


أهمية البداية و النهاية فى القصة


و هكذا تستهويه مساءلة الواقع ، و إغواء المستتر ، و الخروج من بصمة الترادف إلى احتراب الأضاد .


كأن الكتابة عنده سكة سفر ، ينتقل فيها من المعلوم إلى المجهول و يخترق عبرها البرانى ليطالع الغامض ثم يقبض على تلابيب الغامض ليكتشف اللغز .


إنه مشروع تحرر ضد الخطاب العام ضد كافة أقمطة التعبير عن ضجيج زمانه و أوجه كائناته و بيئته ، فعلى أى نحو أمكنه أن يترجم هذا الهديل الجسدى المتناقض ؟


الأبواب متعددة و الفضاء واحد ، ذلك أن صاحب هذه المجموعة قد أعتمد نصاً واحدا مفتوحا تتشعب فيه الحالات و تتوحد عبره المواجيد ، فالقصص تتتابع متمايزة و متعاشقة فى الآن .


نهاية الواحدة منها هو بداية التى تتلوها ، يساعفه استخدامه للجمل الموصولة فى مطالع بعض قصصه مما يجعل من النص امتدادا و مواصلة لقص لا تدرى متى بدأ ، و لا نعرف أيان ينتهى " مفردة جديدة و قلوب حائرة ، ترنيمة سادت منذ القدم ، جاوزت حد المألوف ".


" انتهت سميرة من عمل المنزل ، يمثل لها الشغل الشاغل و الإتاوة اليومية لحياتها اليومية بحرارتها و بردها "


" جابت بناظريها عمرها البعيد و القريب ،ووقفت على أعتاب حاضرها تنظر مستقبلها القريب تحاصر بعض مشاهد من طفولتها الناعمة "


" ضحكة عارمة من جوف عميق ، تسربت بكاملها خارج حدود الغرفة ، تلتقى بالأبواب فتخترقها "


الملاحظة بين الإيجاب و السلب


على أن التماس بين القصص و الاتساق المطرد فيما بينها ، يتجليان بالأوضح فى تجاوز التخوم على مستوى الوقائع و الشخوص ، و فى وحدة السيماء النفسية للراوى و فى المسار المشترك لبنية القصصية ووسائط التعبير كذلك ،فأطواء المجموعة تستوطنها دلالة محددة تختلج عبر سطورها ، و تتبدى فى استجواب الواقع و النبش فى دماغه ، و الشك الدائم فى الأجوبة التى لم تعد تشبع سوى الرغبة بالاحتماء و التحصن خلف أسئلة جديدة .


لقد شب جيل هذا القاص على صقيع انكسار أسهم فى تعميق إحساسه بالوحدة و الخيبة و دفعه أن يوصد صدره الموغور دون قيم الآباء و مسلمات الخلائق و إيقاعاته القديمة ، فانغرس فى آفاق و تجارب تفطر بيتم الفتاه التى عرفت فى البحر و إغوائها من قبل أبيها ، و رسم له جغرافيته الإبداعية .


ربما لهذا راح " محمود طبل " فى قصصه يسائل جدران المدينة ووديانها و أشجارها و الشوارع و الحلم ذاته تتخاطر مع نفسه يستميح العذر من لحظات الوجه الحسن الأخيرة يسلمها الغرابة للجذع الخرب فيستحضر الحصاد مرتان ، و جرس المدرسة الذى لا يعنيه تكراره و دوى تصادم السيارة و الشعيرات البيضاء للحية الخفيفة الناعمة .


ورياض سيناء و روحها و الخوف بلا وجل و الشهيد الذى جاب ثراها و تراب و عرق جهده .


اقتصاد الكلمات و بطولة القصة


أو هنالك من يحمل شجوه أو يكمل قصته المونولوج كان تكاته بين هذه الشواهد ، هو المناجاة ، و الوتر الأثير مما جعل الذاكرة تشكل فى هذه المجموعة مجالاً متسعاً و سيناريو حيويا ليحرك سياقه ، و امتلاك الرواية لنفوذه .


إن السرد ، و الوصف ، و الحوار و جملة الوسائط الأخرى تندغم كلها عبر المونولوج ، متحرراً من سميتريته و خيطيته ، فى عبارات قصيرة متسارعة يقف فى نصفين متوحدين بين بوح النثر و كتمان البيان ، فيكثف من خلالها علامات التنقيط مشمولة بالاستفهام عن المجرى الذى ظهر فيه " قبضت عليه قبضا يسيرا ، استشعرت دفنا غريباً يسرى فى ذاتها ، ينفث مداده يبعثر ذكرياته لتدب فى كل أوصالها "


" طفل صغير تبارك الخالق فيما أبدع عينان سوداوان و بشرة بيضاء مشربه بحمرة ، كفان رقيقان يتضرعان ، و ثغر يبتسم الآن "


" أمسكت بتلابيب جدى أهرول و هو يخطو خطواته الوئيدة ، متحدياً لشمس الظهيرة و رمضاء الطريق "


" دقة – واحد لكنها قوية ، دقة عنيفة واحدة أعرف دقات ساعة الحائط و أعرف جيدا دقات جرس المدرسة و أعرف دقات ضبط الوقت "


" آه ، و ألف آه كل هذه الخواطر مرت أمام ناظريها بمجرد أن وقفت أمام المرآة ، دق جرس الباب "


هذا النص تكونه الكلمة المكتوبة و الكلمة المحذوفة ، و رغم ذلك يمكن للقراءة أن تصل ما بين تبعثراته ، أو ما يخيل أنه تبعثرات ، حتى مع ما يسم فقراته من نقاط مفعمة بالكتمان و البوح و هنا كذلك تشكل الذاكرة مجالاً حيوياً ليحرك الشخوص ، فيحاول أن يخلع عنهم أثواب الطمس و غراء الترادف و التقارب .


الانعكاس و دقة الملاحظة


إن القاص ( محمود طبل ) يقف بإزاء شخوصه ، يراهم فى صخبهم المستعلق ، مجبول بذاكرة الرغبة و شهوة الاقتحام ، يمد خياشيمة ليتأملهم ، بعضهم من سكان المدينة ، ومن المثقفين ،يسكن المواجع حناجرة و يتطاوس على رءوسه كائنات الخواء و الطموح الخصى و المصالح البائرة .


" فرغم كل العذابات ، و رغم المسافة بين مدينة العريش فى الشرق البعيد و بين القاهرة فى الغرب القريب ، الذى كان منذ زمن من حلم أو أمل أتطلع إليه و أنا أعبث بدفاترى أو أقلب صفحات كتابى "


و آخرون تتوجعهم شوكة القلب تتعدد الشخوص بأسمائها ، لكن المنفى واحد و الطريق متفاوت ، إنهم يجهدون الخروج منه ، ينتظرون من يدلهم على ذخائر القدرة و التمكين ، منهم من فعلها فى سيناء و خط بارليف ومنهم من تعافه القرى و توسوسه الحلم على ورق و دفاتر المدرسة فى القاهرة البعيدة .


هناك فى وادى العريش ، فى المدرسة فى رفح ، فى حدود سيناء ،فى الطريق إلى القاهرة ، لأنهم الأمكنة ،فالأمكنة كالأحزان لا اسم لها و لا أمارة .


هذا كاتب يجيد مخاطبة الطفل الكامن فى اللغة يعشق بلدته و يكرمها ، يستبيحها تضاريس الجسد الأنسى : الخياشيم ، الأنوف ، الشفاه ، مقلة العين ، خصلة الشعر ، الرأس ، الوجه الحسن الضفائر ، يعرف الثمن الفادح الذى يقتضيه هذا العشق .


يعرفه و يخافه الآن :


" أنامل صغيرة لا تتجاوز الخامسة ربما لا تقوى على كشف سرها و البوح بمكنون ذاتها "


" زائرين حتى انبلج الصبح و انفض العرس و الجسد رابض "


" طائرات قاتمة اللون اخترقت مسامعى ، احتلت جوانب فكرى عبرت بدمى و دمعى ، عضضت على لسانى ، اكتم صرختى و حزنى "


الأغرب هنا أنه يعقد صفقة شيطانه الإبداعى مع جوانب فكره و عضة لسانه يقتحم بها مفردات لحن الهارب و ثرثرة الذات مع الذات و قتامة اللون للطائرات و هدير الانفجار و كتم الصراخ و الحزن و البوح و مكنون الذات فوعيه ، ذاكرته قادرة أن تمتزج بمنطق الأشياء و غواية الحس .


النقد و الفارق فى القصة


أسر اللذة أذن و اكتناره الشعرى ، هو الحلم الذى يسطع ضد هذا النص الأول لــ " محمود طبل " أنه الهامس المتأجج فى هذه التجربة الطالعة المرشحة للتجدد و التحول بعيداً عن الاستغراب فى ركام التصويرات التزينييه و إغراء الانزلاق إلى التداعى بدرجة ينوه فيها الخيط القصصى و سحر الطاقات الإيحائية الكامنة فى مباشرة الألفاظ .


مجموعة هذا القاص فضاء للتيه و للتأمل ، للتخيل و للذكرى ، إنه يصك تشابهنا يسافح كبرياءنا يوقف صخب زماننا على قدميه ومؤخرته تتلقف مسراته و رغبائه و إحباطه القادم من جراحات الميلاد و قطع حبال السرة إلى العظام فالاغتراب .


إن صاحبها لا يتقصد الشماته و لا السخرية عندما يتألب علينا بضدية مسنونة أمام معاينة الوجه الحسن و الأسياد فى حياتهم و موتهم الباهظ .


نحن نعرفه و نتساءل : أليس الانتظار كالمدى ؟ أليس وجود القوة كوجود الفعل ؟


هذا سؤال الضد لا فكاك منه و لا إجابة عليه ، إنه قلقنا و قلقه ، قلق الطفل يلمح وميضاً فى السماء فيفجر أسئلة صعبة فى وجه من يحيطون به .


اتساع الحلم القصصى


إنه يعرف ذلك ، هو على أكثر من يقين منه لكنه يلح بأسئلته و يدل ، و لا يصرح به خوف أن يعلق بشراكه ومع ذلك ، و رغمه فها هو فى هذه المجموعة يقحم نفسه و يخرج على وشم قبيلته ها هو يوشك على التورط فى مس المحظور و اتساع الحلم ليشمل الآخرين ، أنه لا يكتفى أن يشرئب برأسه منفرجاً و الجرح لم يندمل .


لقد ضبطه العسس و هو يبوح فى إحدى قصصه بالحلم و يفك بعضا من رموزه الحرونة حين قال و بالحرف : -


" و انشد يغنى أغنيتة الوحيدة " يا مفرقين الشموع قلبى نصيبه فين "


كأن المسألة لعب أطفال ، عاودته أغنيته و عادوه الحنين ، ما عادت أمطار الخريف تبلل الزهر و تدب فيها الروح و ما عادت رياح الخماسين ترهب القبطان على ظهر السفينة "


استبصار الواقع فى التعبير القصصى


إن القارئ لمجموعة :" الوجه الحسن " للأديب " محمود طبل " سيجد أنه يثير العديد من وجهات النظر ، و يفجر العديد من القضايا فهو يمتلك قدراً وافراً على استبصار الواقع و التعبير عن عوالم له تركيبه الخاص و عذاباته و بهجاته و بهاءاته و طموحه الإمساك بذلك العالم الغائب الحاضر .


فاستطاع أن يأخذنا فى مساربه الخفية إلى معنى كلى ، و فلسفة شاملة ، و شعور مطلق و حلم كبير إننا نرى أن هذا الكاتب نجح فى إضافة شئ لهذا الفن الأدبى المراوغ سواء فى البناء المتميز أو فى الجانب اللغوى .


فهو لا يتبع سياقاً زمنياً منتظماً ، و أسلوبه لا يعمد إلى السرد المباشر بل إلى ازدواجية السرد لهذا استطاع و فى مجموعته القصصية ( الوجه الحسن ) الأولى أن يفرض علينا لغتين مختلفتين ، و هاتان اللغتان تدلان على حقيقيتن و تصلان المرء بعالمين مختلفين هما : -


1- عالم الواقع 2- عالم الخيال


و ربما يجد القارئ نفسه فى نفس القارب الذى يطفو على سطح البحر سواء بسواء مع شخوص القصص و كأنه واحد منهم و رد فعله بالضرورة سيحدد وصول القارب إلى الشاطئ ، و لا يسعنا إلا أن نحى الكاتب " محمود طبل


على هذه المجموعة القصصية المتميزة .


الهوامش


1- قراءة النص – بين محدودية الاستعمال و لا نهائية التأويل ( التحليل السيمائياتى للبياتى ) الدكتور / عبد الله وتاض – نوفمبر 1997 م كتاب الرياض


2- التيارات الأدبية فى الأدب اليابانى الحديث و المعاصر – تأليف الدكتور/ كرم خليل أغسطس 1999 م الهيئة العامة للكتاب


3- القصة و دلالتها الفكرية – تأليف حنا مينه – ديسمبر 1998 م – مؤسسة اليمامة بالسعودية


4- الكتابة من موقع العدم – الدكتور عبد الملك وتاض يناير 1999 م – دار الرياض للطبع و النشر


5- وجوه و تأملات و دراسات و نماذج تأليف : محمد الدسوقى – الهيئة العامة لقصور الثقافة 1999 م


ا

عضو نقابة الاتحاد العام لكتاب مصر نائب رئيس تحرير صحيفة صوت مصر الحرة

المزيد من الكاتب

هذه التدوينة كتبت باستخدام أكتب

منصة تدوين عربية تعتمد مبدأ البساطة في تصميم والتدوين