لا ليست مريضة

"قصة قصيرة"
بعمر أثنان وعشرون سيجارة

بينما كنت أنفق مع هشام ناجي وزوجته أسمهان يونس ليلة من شوال الحزين على سيمفونية الأمواج المتلاطمة في غيابة ليلٍ طويل أوقدت حطبًا لإعداد الشاي تمامًا الشاي فهو الشيء المناسب لهكذا ليلة تتأرجح على الشفير كان ينقصنا السكر لا أكثر أخبرتهم بأنني ممتنع عن السكر ولكن في حال رغبتهم بالسكر سأتدبر أمره قالت أسمهان وبصوتها رعشة باردة إنني أشعر بلوامس قنديل في أذنيّ ضحك زوجها هشام ناجي بشراهة وأضاف أيتها الغبية الجميلة وماذا ستفعل القناديل في البحر الأحمر ثم ألتقط موزة وناولها لأسمهان التي يبدو أن الإستياء عصف بملامحها نتيجة لامبالاة هشام إزاء تصرفاتها الغريبة كما كان يخبرني دائمًا وكمحاولة لتطرية هذا الطقس الذي يشارف على إلتماس ما سوف أستبدل نقاشهم الذي يبدو في الغالب بأنه سوف يؤول إلى مشاجرة زوجية بأغنية رومانسية هادئة لعلها تقنعهم بفكرة إيجابية كأداء الرقص على رمال الشاطئ وبالفعل هذا ما حدث فبعد بضعة لحظات رأيت هشام ناجي يمد يده لأسمهان إلا أنّها ما كانت مرحبة بالفكرة على الأقل الآن ألتقطت الشاي وأبتعدت عنهم لأترك لهم مساحة جيدة قد توصلهم إلى هدنة ولو مؤقتة ضممتُ سيجارة إلى شفتاي وأقتربت بها إلى جمرة لأشعلها وبعد ثلاثة أنفاس منها رأيت هشام يهم بحمل زوجته ويتجه بها نحو البحر بقيت أرقبهم هكذا حتى سرقهم الليل من ناظري كنت أسامر النار بحسرة وحيرة تجاه هذه العائلة الحزينة أي لعنة تحيق بهم
وأي مرض هذا الذي لم تنجح ألمانيا وهي الأولى عالمياً في مجال الصحة والطبابّة في معالجة أسمهان منه ليس ذلك فحسب بل أنهم لم يجدوا طبيبًا واحدًا إستطاع تشخيص ما تقاسيه أسمهان أهو مرض جسدي أم نفسي لا أحد يدري حتى الآن هل يمكن مقاربته بمرض شائع أم أنها نادرة طبية تحدث لواحد من كل مئة مليار وبعدما نفذت علبة التبغ تركت لهم ملاحظة صغيرة على هاتفي الإحتياطي مفادها بأنني سوف أتجه لأقرب متجر للتزود بحاجيات الشواء وأشياء أخرى ذيلتها بعبارة رأيت بأنها قد تلطف الجو قليلًا ما دام الهواء يرتطم بأجسادنا فلدينا مبرر دامغ للإبتسام غادرت المتجر بعدما حصلت على ما يلزم وعدت للشاطئ بفائض من البهجة كان المكان خاليًا رجحت بأن أسمهان وهشام بحاجة إلى مزيد من الوقت ليمارسان شيئًا ما على أثير الموج بدأت بتجهيز مستلزمات الشواء وتوظيب مائدة الطعام ولكن أثار قلقي شيء ما وأنا أنوي نفض الحصيرة فبإعتبار إنني أمارس الرسم بين الفينة والأخرى أكاد أقطع بما لا يدعو للشك بأن هاتفيّ النقال ما كان في الموضع الذي تركته عليه تناولت النقال بشبه اضطراب هل هناك رسالة يجب أنّ أطلع عليها لا شيء يدعو للريبة سوى أنّ ملاحظتي مفقودة والتاريخ متأخر.
٢٠٠٣م!! هشام ماذا تحاول أنّ تصنع؟ وهل كان هذا اللعين متوفرًا في ذلك العام ألقيت الموبايل بغضب عارم ورحت أصرخ بصوت لعل طارف البحر البعيد شعر بمدى إيلامه إذ كانت مزحة فلتنتهي الآن فلقد كبرنا على هذا كما أظن وإن كان هنالك من مشكلة أو مصيبة أو كارثة فلنجتمع الآن سوف نجد حلًا بالتأكيد
أقتربت من البحر وأنا أشعر بثقل جسدِ على قدمِ ما كان لهما من آثر يقتفى هل كانا هنا؟ ولما غادرا الجلسة في أثناء غيابي؟ لا بد أن أعود إلى هناك فما حدث أعتقد بأنه حدث هناك ولكن لعل الضلام ما أسعفني في العثور على رسالة دلالة أو شيئًا من هذا القبيل عندما عدت إلى النقطة التي شتتنا كانت أسمهان وكما أنها خرجت للتو من حمام ثلجي بصعوبة لجمت نفسي عن لعنها ولعن زوجها السافل ثم بسيجارة تجعل الأمور أقرب للمنطق سألتها هل لي أن أعرف مالذي حدث؟
- قتلت هشام
- أهذه المشهد الأخير من فيلمكم الحقير؟
- يجب أن أذهب الآن
- بهذه البساطة؟
- تركت في نقالك تسجيل صوتي سوف تفهم من خلاله كافة الحكاية بإيجاز
هذا الحقير ما كان يصدق تخيلاتي فليمت الآن قبل أن تنهيه لسعة قنديل ما كان يؤمن بتربصه الدائم بنا وبالنسبة للتاريخ أنا من تلاعب به أردت أن أذكركم بليلة سقوط بغداد بداية جرحنا العظيم وفلسطين لسعتنا الأولى تلك التي استغرقنا طويلًا في آمال شفائها ليس لأننا أقوياء وصامدون يا فلسطين بل لأجل تأخذ إبرة المخدر مفعولها لكي نفقد الشعور ببقية اللسعات. 

ما بعد النهاية
الجانب الإيجابي إذ وجدت هذه القصة في آحدى المكتبات لن تضطر لشرائها لكي تقرائها هكذا هو الوجع أحيانًا لا يمكن الإسهاب في وصفه ودائماً لا يستفاد من أخطائه.
هل أسمهان مريضة؟
حقًا هذه القصة كتبت بأثنان وعشرون سيجارة؟