دراما الواقع  

مشهد 1 (مسائي/ المقهى)

Image title


أصواتٌ مرتفعة وضحكاتٌ يبدو من طريقتها السخرية تقطعُ أثيراً خافتاً ومعتاداً فى جنباتِ المقهى.

إنها أصواتُ لأناسٍ أعرفُهم.

تتبعتُ الصوت ..

ليس هنا.

إذاً سأصعدُ إلى الطابقِ الثاني.

هاهم، مصدرُ الصوتِ والصخب.

مرحباً بالمصريينَ فى أرضِ المهجر، حيثُ الكلُ يرمُقهم وينتظرُ منهم أن يخفضو أصواتهم.

بيدَ أنهم من الاخوانِ الذين طالما امتازو بالوقار. 

وجدتُ بغيتى، فهم خير الأصحابِ وصحبة ُالخير، والأزمةُ بينهم فى رأيي قد تُهدد معادلةَ الحياةِ المصرية برُمتها.

سلّمت فجلست، غير مستعدٍ لتفويتِ الفرصة.

وليستمر النقاش.

  • يواجه أحدهم صاحبيه بسخرية:
    لماذا أنتم منزعجون من تغييرِ الوجوه ؟ .. هؤلاء فشلوا كما اتهمتم من سبقوهم بالفشل (ثم ضحك حتى بدت نواجذه).

  • يرد الآخر : 
    أنا منزعجٌ منكم أنتم .. فإن كانوا فشلوا كما تقولون .. فقد فشلوا فى حملِنا من مستنقعِ الوحلِ الذى أوقعنا فيه أصنامُكم المقدسة، وأنتم وأصنامكم أثقلُ من يُحمل .. ثم تفرحون لعودتهم بهذا الشكل .. هل هذه مؤسسة شورية كما نقول .. ألا تخجلون! 

  • استأذنت للحديث، فسألت الأخير:

لماذا تتحدثُ بالألغاز ؟ قل لنا ماذا فعل الفاشلون القدامى ؟ 

  • أجابنى بصوت مرتفع وبعباراتٍ قويةٍ مرتبة :

أصدر أحدهم بياناً باسم الجماعة أوقفَ فيه المتحدثَ الاعلامي باسمها داخل مصر .. هذا الرجل هو بريطانيٌ مصريٌ تقلد منصب نائب المرشد حديثاً بجرة قلم من نائب آخر يقوم مقام المرشد ولا أثر له.

قاطعه الأول متعصباً : تحدث بشكلٍ لائق، ثم علا صوته : هم أسيادك، هم من حملوا هم هذه الدعوةِ من قبل أن تُولَد.

  •  عاد الآخر :

عفواً .. ليست جرة قلم (أنا أعتذر) دعنى أكمل: تقلد الأخير المنصب بقرارٍ ممن يقوم مقام المرشد بيد أنه لا وجودَ له فى الواقع، لا يحضر مع اللجنة المكلفة بإدارة الأزمة ولا يريد أن يحضر، ولا يصلُ إليهِ إلا أحد الاطرافِ الرافضة لإدارةِ اللجنة، هذا على الرغمِ من أن ذلك النائب البريطاني الجديد (مصْدرُ البيان) بعيد عن الحياة المصرية منذ نحو أربعين عاماً ويقضى لياليهِ الأخيرة فى الدعاءِ لأن ينقلب "شرفـــاءٌ" من الجيش على العسكر الحاكم.

قبل ذلك بيومينِ خرج آخر يقول أنه أمينُ عامِ الجماعة ولكن من الخارج، وهى بدعةٌ جديدةٌ خرجت على اللوائحِ التى يقدسونها والتى دائماً ما طالبنا بتحديثِها لتناسبَ الواقع وتحتوى الجميع.

هذا الذى يدّعي أنه أمين عام الجماعة لم يخجل من القولِ بأنه مازالَ يمارسُ مهامهِ ويحيلُ القراراتِ من اللجنة المكلفة بإدارةِ الازمةِ إلى عمومِ الصف، وهو أمرٌ مضحك، فعلى من يضحك ؟

  •  سألته: هل انتهيت ؟

  • فأجاب: يكفيك ذلك المعلَنُ والمُشَاهد.

  • قلت له : وماذا عن الوسم "منتصر يمثلنى"؟

  • أجاب: لا يعنينى أحد .. انما يعنينى أن أرفضَ إقالته بهذا الشكل، بقرارٍ منفردٍ من خارج المكتب الذى كلفه بالعمل، فليُحقق معه وليذهب غير مأسوفاً عليه.

  • قلت : قالوا أنه تم التحقيق معه، ما يعنى أنه خالفَ التعليمات ولذا أصدروا قراراً بإيقافه.

  • فردَّ سريعاً: من هؤلاء ؟ إذا كان المكتب الذي يدير ويكلف الافراد بالعمل يؤكد أنه باقٍ فى عمله وإذا كان "منتصر" يُصرِّح بأنه لم يحقق معه.. فمَن هؤلاء ؟

  • عُدتُّ للأولِ فسألته : وانت ماذا يزعجك ؟

  • فأجاب: لن اتحدث فى هذا الأمر مرةً أخرى طالما أخذ الحديثُ هذا الاسلوب عن رجالٍ تدينُ كل الامةِ إليهم ولو تعلمونَ هم أخلص وأشرف من عَرفت.

  • حاولتُ معه : لكن ألا ترد على هذه المعلومات ؟

  • فأجاب : لا .. "الله يولّى من يصلح".

  • قطعَ ثالثُهم الحوار، فسألنى: وأنتَ ما رأيُك ؟

  • فأجبتهُ : أما أنا ..فلا أرى إلا صورةً مشابهةً لما آلت إليهِ مصر فيكم، لكننى الآن أتسائل: إذا كان القائم مقام المرشد لا يعترف بكل من دونه من المبتلين بإدارة شئون الجماعة المذبوحين فى كل مجزرة بينما يختبئ هو فى سردابه الآمن، وإذا كان فريقٌ منكم يعيشون فى برٍ آمن ورفاهٍ يجعلُ منهم جلاَّدين للمتحَنين فى وحلِ المحنة، تماماً كما فعلَ معارضوا الرئيس مرسي به وبحكومته، فهل هؤلاء يرفضونَ فكرة الانقلابِ حقاً ؟

نظر بعضُنا لبعضٍ لتقطع لحظاتٌ من الصمتِ ما تبقّى من حوارِنا ثم هممنا بالخروج.