يفترض بالتاريخ أن يكون هو الشاهد الحقيقي على حياة الأمم والشعوب وحضاراتها وقيمها وأخلاقها، وسجلا دقيقا يحكي سيرتها، ويظهر للأجيال اللاحقة الحقيقة الناصعة، لتستلهم منه العبر والدروس، ومصباحا يزيل العتمة عن الأحداث السابقة، وينير الطريق للأجيال اللاحقة.
منذ نزول أبو البشرية الى الأرض وقتل قابيل لأخيه هابيل، بدأت السطور تدون في صفحات التاريخ الأحداث التي تمر بها البشرية، ومع تنامي الأمم والأقوام أصبح لكل أمة تاريخ خاص بها، فهذا يكتب تاريخه على الجدار وألواح الطين، وهذا يكتبها على الصخور وجدران الكهوف والأخر يكتبها على قصب البردي ويدفنها في المقابر.
بما أن لكل حقيقة أعداء يتضررون منها ولكل حق هناك باطل يواجهه، ولأن النزعة الإنسانية فيها الحسد والغيرة وحب الأنا، بدأت تظهر روايات مختلفة عن حقائق ثابتة، وكل يحاول أن يكتب ما يصب في مصلحته وينتقص من الآخرين ويقلل مكانتهم، ومن هناك بدأت محاولات التلاعب بالحقائق.. بل وصل الأمر حد التزييف والتدليس والكذب والإفتراء مما تطلب محققين لإظهار الحقيقة.
التاريخ العراقي تعرض للتشويه أيضا، خصوصا في المرحلة الممتدة من نهاية الستينات وحتى سقوط نظام البعث الفاشي عام 2003، لدرجة أن خال طاغية البعث صدام، الأمي الذي لا يملك قدرا من التعليم المتوسط المدعو خير... طلفاح أصبح مؤلفا لكتب التاريخ التي توزع بالمجان.. في حملة محمومة قادها نظام البعث بما أسماه "إعادة كتابة التاريخ" وهي في واقعها تزييف وتدليس لا أكثر..
كان من أولى ثمار تلك الحملة، هو تشويه ثورة العشرين التي قادها علماء ومراجع من الشيعة، وكانت إنطلاقتها من الوسط والجنوب كما هي الثورات العراقية دائما، وما زالت الأسلحة المستخدمة فيها يتوارثها الأبناء عن الأجداد، ولكنها نسبت الى غيرهم لأن البعض رضي أن يستل قلمه الرديء ليغير صفحات التاريخ ويسقط القمم، ويطعن في القدوات وينتقص من البطولات.
إستمر نظام البعث الفاشي في حملة التشويه ضد الحركات التحررية المناوئة له، وخصوصا الحركات الإسلامية، والتي خصص لها جهدا اعلاميا وأدبيا كبيرا، وضغطا أمنيا جعل العراقيين يخافون من ذكر الأحداث التاريخية التي لا تروق للنظام، ويخشون زيارة الأماكن التي يشمون منها عبق تاريخهم، وإستعان النظام بمؤلفين للتاريخ كان همهم أرضاء الحاكم وحزبه المجرم، دون أن يكترثوا لأبناء الأمة أو تاريخها.
الغريب أن بعض الكتاب إلى يومنا هذا مستمرون بمحاولات التشويه والتزييف، وما زالوا أوفياء للمدرسة التي علمتهم ذلك ومنهم الكاتب " حميد عبدالله " الذي يستخدم أساليب لئيمة خبيثة خادعة في تمرير معلومات كاذبة وخاطئة، ويحاول تمرير شهادات زور ومعلومات مشوهة عبر لقاءاته مع شخصيات النظام القمعي السابق، مع إضافة بعض النكهات على حديثه لإستجلاب التشويق والإثارة حتى يصبح مقبولا عند الناس.
وآخر ما ظهر لنا من هذا المخادع هو محاولته السير على نهج البعث، والطعن بمؤسس أولى الحركات الإسلامية في العراق المناهضة لنظام البعث الفاشي، والذي أعطى حياته في سبيل ذلك وهو السيد " مهدي الحكيم " الذي إتهمه النظام زورا وبهتانا بالتأمر ضد حكومة نظام البعث وصدر حكم الإعدام بحقه عام 1969، وتم ملاحقته إلى السودان وأغتيل هناك، ولكن الكاتب يتهمه بالتواصل مع قاتليه وأن هناك مراسلات فيما بينهم!
لا نريد أن نطيل في الرد ولكن هي دعوة الى الكتاب والمؤرخين الشباب بالتصدي الى كتابة تاريخهم ومعرفة الحقائق بأنفسهم، ولا يدعوه عرضة للكتابة بأيدي المزيفين والقتلة والمتعاونين معهم.