إلي تلك الهموم المتحدرة من كل جانب، إلي تلك الأحزان التي تتوسد قلبك، وإلى تلك الأتراح التي تشاركك الوسائد والطرقات وإلي الضيق الذي يأتيك من كل فج عميق، وذلك الغم مختبئ لك خلف الأبواب وفي الطرقات، وكلاليب تخطف قلبك خطفاً، نعم الحزن قد يشتعل في فؤادك اشتعالًا وأنت باردٌ في نظرتك جامدٌ في وقفتك، والظروف عندك كئيبة، والأوجاع حدّت سيوفها عليك وما أبردها زمن حتى ما تركت فيك موضعًا إلا ولها فيك ندبه وسم !
أعلم جيدًا كيف يعيش المرء في قلبه أنين خافت، يتورى من القوم لئلا يرون لحظات انكساره
وسيل هادرٌ من الآلام يتحدر، له سمت الماء يتسلل لأصغر موضع وأصغر خلية فيك
الحياة لا تسير على مايرام !
وماذا يهم ؟
إننا عابرون، وهذه الدنيا ماهي إلا ممر والآخرة هي المستقر، لحظات ونعبر المفاوز، نصل لمفترق الطرق بعد ليال تكسرنا لله فيها، بعد بكاء وأتراح نذهب لبلاد الأفراح!
إننا هاهنا مسافرون ولسنا قاعدون، ومادمنا لم نغضب الله، ولم نتبع الشهوات أو تسرقنا وتخطفنا الشبهات فنحن بخير
مادمنا لم نظِلم، ولَم نفسد على أحدٍ من خلقه إذًا نحن على مايرام!
المهم هو الآخرة-يا صديقي- المهم أن تكون الآخرة بخير، وما السيئ من الكربات والأحزان إن كانت تبيّض صحائفك، وتثقل موازينك؟ ، وتُيمّن كتابك !
مالسيئ من الكربات؟! إذا كانت تيسر حسابك ؟ وتُعلي درجاتك؟ وتطهر قلبك وترققه ؟
المهم أنت لا تحمل ظلماً ولا هضماً، المهم أنك أنت أنت تسير بنفسك لله، فالحزن الذي جعلك تنطرح لله أرضًا هو معبر أنسٍ ولو أوجعك، والطريق الذي سالكته قاصدًا وجه الله فأُدميت قدميك بالشوك هو سيل طهرٍ ولو آلمك، والقلب الذي لجمّته عن الشهوات هو قلب السعيد غدًا
إن الذي يرام حقاً هو سلامة غدّك ، ومادام لم يتضرر فأنت بخير، وتزين جنتك بأنوار الصبر، واحتساب الأجر، ويتحول دمع عينيك إلى قوارير متلألئة في بلاد الأفراح غداً...
ألست تنثر وجعك وهمومك في جوف الليل ؟
ألست كل ليلة تطرق الباب، ويخر ذقنك باكيًا كطفلٍ صغير؟
ألم يغدو قلبك أرق من أفئدة الطير يبكيه حزن كرب أخاه المسلم ؟ ويتوجع لعثرته
ألم تصبح حانياً على كل من ترى؟ رفيقاً بمن تمر؟
دمعك المنثور على أرض المجاهَدة، وأنت تحاول أنت تصبر، لايضيع
قلبك الحزين ودمعك المرير الذي يهطل كالغيث، كم في دمعتك من مثقال ذرة؟! وكم في كلمتك من مثقال ذرة؟! سترى والله هذه المثاقيل يوم تلقى ربك وماكان الله ليضيع إيمانك
جوفك المكويّ، بكاؤك المرّ ليلاً .. يومًا سينبت في أرض الضراعة أزهارًا ومروجًا،
هذه الآثار على الله، هذه الروح الحية ستنتصر يوماًما .. ستكتشف أن سيل الهموم كان يطهرك، وتتحول تلك الأتراح إلى أفراح، والهم والغم ماهو إلا زيادة لمقام العبوية، وتلك الشوكة التي نزفت منها كان الله يخرج منك الدم الفاسد لينبت في روحك شجرة أصلها في الروح وفرعها في الجوارح متصلتة بخالقها منقطعةً عمن سواه، وتلك الانكسارات ماهي إلا انتصارات يوم أن آمنت بالغيب، ووجهك الذي كنت تقلّبه كل ليلة في السماء وحديثك الخافت وآنينك المكتوم خشية أن يسمعك أحدٌ من الخلق، كان يصنع لك الدرج لتعبر المفاوز!
غدًا تحلق روحك بعيًدا عن عن دنيا العبيد، يكون غناك في قلبك، وفقرك لله، وسؤالك لصاحب الكرم، فيفتح لك الباب تمد يدك تقطف ماتشاء
وعندما ينكشف حجاب الغيب، وتعود للجنة ستعلم كم حفظك الله من ضرٍ يوم أن حفظته أنت بالغيب، وكم تلتطف عليك وصرف بلاءٍ عنك يوما لم تبيع عمرك النفيس لأجل هوىٍ رخيص، فتجلس تحت العرش على أرض يفوح المسك منها ويحدثك الله حديثًا مباشرًا، ويضحك لك ويذكرك يوم أن كنت كالأبله تظن أن حياتك سيئة لأنه غاضبٌ عليك أو من قبيح فعلك كالطفل الصغير تبكي وتبكي، وماكان ذلك ألا أن الله سلب منك أفعالك الحسنة ليجعلها لك ذخرًا في الآخرة
هناك هى الحياة الحقة، والسرور الذي لاينقطع والخلة التي لاتفقد، وهناك يذبح الظلم، ويبكي الحزن آسفًا لأنها بلاد الأفراح!
#توفني_مسلمًا_وألحقني_بالصالحين