Image title

د. علي بانافع

     إن محاولة نزع الانتماء للإسلام وللعروبة منا ومن تاريخنا، هو جزء من عملية الحياد السلبي أي تحييدنا بمعنى عزلنا عن قضايا ديننا ووطننا وأمتنا، أي خلع الانتماء منا وهذا يُفيد خلعنا نحن، وهذه لعبة لعبها معنا الغرب كثيراً، من خلال مؤسساته العلمية ووكلائه التنويريين في نشر وتوزيع الفكر الغربي في عالمنا العربي والإسلامي والأمثلة كثيرة، يسعى الغرب إلى تحييدنا عن أوطاننا وعن مشاكلنا وهمومنا، وعندما يتم له ذلك نكون قد اغتربنا عن ديارنا وأنفسنا، ويَسُهل علينا التعبير عن ذاتنا الجماعية بضمير المتكلم أو المخاطب (هم) بدلاً من (نحن) كما نقول الآن "أزمة الشرق الأوسط" وليس "قضية فلسطين"، وتذكروا من تركيا الفشل!! فكم بذلت ماء وجهها وسفحت دمعها على أعتاب الاتحاد الأوروبي ولم يُؤذن لها بالدخول!! بل صفعها الحليف والمستشار الألماني الأسبق هيلموت كول حين قال: "إن تركيا ليست دولة أوروبية، إن تركيا لها حضارة غير حضارة أوروبا، إن حضارة تركيا إسلامية، وحضارتنا يهودية نصرانية". مع أن أوروبا النصرانية هي من أسقطت الدولة العثمانية أو رجل أوروبا المريض -كما كانوا يسمونه- بشخص من يهود الدونمة هو مصطفى كمال أتاتورك ودسته في قصر الخلافة فأسقطها!! تركيا علمانية بالمعنى السوقي الذي طرحه الذئب الأغبر أتاتورك وهو محاربة الإسلام والعرب وحدهما، وليس بالمفهوم الغربي الذي يعني فصل الدين عن الدولة، أي العودة لمفهوم النصرانية الأولى "أعطوا ما لله لله وما لقيصر لقيصر" وأن يكون الحكم للعلمانيين أي لغير رجال الدين.

     أتوقع إنقلاباً عسكرياً وشيكاً في تركيا سيُعيدها إلى أيام الأتاتوركية المقيتة، مجرد توقع لا أكثر إذ ان سياسة تصدير الأزمات الداخلية عسكرياً غالباً ما تنتهي على هذا النحو وأكرر -وأنا أتوقع ولا أتمنى- والبون شاسع بين التمني والتوقع، وأتمنى على السيد أردوغان عدم التورط بالمغامرات العسكرية الخارجية أكثر إذ يكفيه الإسناد والدعم اللوجستي ولكن من دون التدخل العسكري المباشر، فتحركات تركيا العسكرية اليوم كلها تأتي استباقاً لانتهاء معاهدة لوزان وقبل إعلان السلطنة في تركيا وتنصيب نفسه السلطان أردوغان!! خصوصاً بعد استفتاء 2017 الذي فوضه كافة الصلاحيات في تركيا دون الرجوع للبرلمان، مجمل الأحداث الساخنة في عموم المنطقة العربية حالياً مرتبطة بانتهاء معاهدة لوزان عام 2023، تلك الاتفاقية التي أعقبت معاهدة سيفر عام 1920، والتي قضت بتخلي تركيا عن جميع الأراضي العثمانية التي يقطنها غير الناطقين باللغة التركية ووقعتها حكومة إسطنبول، معاهدة لوزان التي عقدت عام 1923 بين حكومة أنقرة الخارجة عن سيطرة السلطان آنذاك من جهة، وبين بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان واليونان ورومانيا والبرتغال وبلغاريا وبلجيكا ويوغسلافيا بمعنى العالم النصراني بجميع طوائفه الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانتية باستثناء اليابان البوذية!!

     من جهة أخرى القضية كلها هي ان تركيا اليوم تسابق الزمن قبل انتهاء معاهدة لوزان وأمدها 100 عام بين 1923 - 2023، وهذا ما يُفسر التدخل التركي في ليبيا، تنازل تركيا بموجبها عن امتيازاتها في ليبيا بحسب الفقرة 22 في معاهدة لوزان، وما يهم تركيا في طول ليبيا وعرضها حالياً بالدرجة الأساس هو السيطرة على الهلال النفطي الممتد بين بنغازي وسرت، والذي يضم 80% من النفط الليبي وهو الاحتياطي الاضخم في افريقيا كلها، إضافة إلى أبرز الموانىء النفطية على البحر المتوسط + قاعدة الجفرة العسكرية الأكبر والأخطر في ليبيا، ماعدا ذلك مجرد تحصيل حاصل، وتم بموجبها ترسيم الحدود مع سوريا والعراق بحسب الفقرة 3 من المعاهدة، وهذا ما يُفسر التدخل التركي الحالي في كل من سوريا والعراق قبل انتهاء المعاهدة، وتنازلت تركيا بموجبها عن مصر والسودان بحسب الفقرة 17، وهذا ما يفسر توتر العلاقات الحالية بين مصر والسودان من جهة وتركيا من جهة أخرى، وتنازلت تركيا بموجب المعاهدة إياها عن جزر دوديكانيسيا اليونانية بحسب الفقرة 15 ما يُفسر التوتر الحالي بين تركيا واليونان، الخلاصة ان قُرب انتهاء موعد معاهدة لوزان هي التي تتحكم بالسياسة التركية بمجملها حالياً، عودة أيا صوفيا إلى جامع بعد ان كان كنيسة ثم تحول إلى متحف داخل في القضية وجزء لا يتجزأ منها، والحقيقة ما ضر أردوغان لو جعله كنيسة لنصارى تركيا أفضل من إهداء المتربصين مادة دسمة لإظهار الإسلام بمظهر مخالف لما هو عليه فعلاً -والعهدة العمرية خير دليل وبرهان- خاصة وأن أيا صوفيا مليء بأيقونات المسيح والسيدة مريم عليهما السلام ولا يمت للجوامع بصلة، تركيا تريد ان تقول لأوروبا النصرانية بأنها جادة في استعادة كل ما تم إرغامها للتنازل عنه بمعاهدة وقعها حفيد يهود الدونمة مصطفى كمال أتاتورك، مقابل إعلان الجمهورية التركية وإسقاط الخلافة العثمانية، ولا استبعد مطلقاً من ان يُعلن أردوغان نفسه سلطاناً ويحول تركيا إلى سلطنة فور انتهاء أمد المعاهدة المذكورة، هنا تذكرت البيت الخالد:  الله أكبر كم للفتح من عجب :: يا خالد الترك أيقظ خالد العرب!! قاله أمير الشعراء أحمد شوقي مادحاً مصطفى كمال أتاتورك عندما انتصر على قوات التحالف قبل أن يرتد وينقلب على الخلافة العثمانية فسبحان مقلب القلوب والأبصار.

    ولكن يبقى أمر يدور في خلد الكثيرين هل ستسكت أوروبا على ذلك كله أم أنها تدبر في الخفاء لأردوغان مكائد وتنصب له فخاخاً قبل حلول عام 2023م وانتهاء معاهدة لوزان، وهذا ما ستكشفه الأيام القادمة، وحتى عام 2023 لكل مقام مقال ولكل حدث حديث، تُرى ما هو موقف العرب من كل تلكم المجريات الساخنة في عموم المنطقة التي تغلي على صفيح ساخن، هل سيكونون بالضد منها مجتمعين، أم ان بعضهم سيؤيد، فيما الآخر يعارض، أم أن أحداثا هامشية وصراعات بينية، ونزاعات طائفية وقبلية وقومية ستنجح بحرف البوصلة عن مجمل الأحداث، حقاً الكل يسابق الزمن للنهوض باستثنائنا نحن وعلى ما يبدو نسابق الزمن للنكوص مع أننا الأغنى في العالم!!