أيها العبد المتعثر، المتعذر، الذي في ظلماته متخبط، وسيرك متحرج، لعلك تسأم العثرات، وتتألم من وحشة الطريق، وتقول في نفسك تارة أقف وتارة أقع ويتسلل لنفسك اليأس لكنني دعني أخبرك بضعة أمور عساك تعود للنور، ما جعل قدميك تتعثر إلّا ليخرج من قلبك الحرج مِن المسير، وما خلقك وحيدًا في ظلمتك إلا لتسكن لنوره ليكون هو أنيسك وجليسك، ومَا تمهد لك الطريق إلّا لتسير مُغمض العينين على هُدىً من كتاب الله،  ليدق  باب قلبك، بمعانٍ خفية لم تك تصل لها إلا بالسير إليه، وتبرق في نفسك أمور لم تك ببالغها إلا بالعثرات والنهوض، وما طال الدرب بوحشته إلا لتتذوق أنس معيته، ومهما ضاقت روحك حتى صارت كأنما تصّعد في السماء إلا ليخلق فيك اليقين برحمته وما سرت دهرًا فردًا  إلا ليكفيك سؤلك وما أذللت نفسك لأحدٍ سواه؛ لأنك تسير بمقتضى أمر الله وما سارت نفس بمقتضاه ، فكانت تعمل بأمره، وتنتهي عما نهاه إلا استراحت، وسكنت و إن خَالف في أول الأمر مُراد النفس، فقط لتكون كما يحب الله، وهذا رحمة الله أن يعلمك في أول كتابه اليقين ثم يجعلك تراه بعينيك لكي تنقل من منزلة العلم إلى منزلة المشاهدة لتكون عثراتك، وأحزانك وكرباتك زيادة درجاتك، وتغير فيك لتنحت منك عبدًا خالصًا له أوليس ذاك من رأفة الله؟ والذي قال في كتابه "وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)"

الذي أنقذك من الوقوع من عَلى شفا النار، ماخلق عثرات الدنيا وكرباتها إلا ليجذبُك إليه سريعًا، هل تراهُ ينظرُ إلى ضعفك وكسرك، ووقوفك على بابه كل ليلة، تهتز وترتعش وتبكي وتدعو، وتستغفر، وهزُك جذع النخلة على وهنٍ، ويراك في حيرة تبحث عن حبال رحمته، وتشد حبال الرجاء، وتبكي من وقوفك وسَط الأشواك ثم يترُك قدميك تفلتُ ؟ 

و اللهِ حاشاه !

لكنه يربي فيك المسير الصادق والسعي سبعة أشواط يمنة ويسرة، فجلة السير التعلق بالخالق، والانقطاع عمن سواه،فإذا صار القلب  ضعيفًا رقيقًا خالصًا وسعه الله بالنور وأبدلك قلبًا سليمًا خاليًا مما كان قبل العثرة، مضاءًا بنوره غير متخبط، لايسأل أحدًا سواه، فاقبل ولا تخَف واستمسك واعلم أن مستراح العابدين بإدمَان السير إلى النور وإن كانت العتمة رفيقتهُ.. فمادمت تحاول سيخلف الله خيرًا، ومادمت تسير ستشرق شمسك يومًا ما، ومادامت متوكلًا عليه سيرزقك مالم يكن في الحسبان والذي خلق العثرة خلق النهوض، وحلاوة الأجر ينسي مرارة الضر، وعقب كل انقباضة في القلب انبساطة ومتنفس فهذي سنةُ الله، فلاتبرح ألح، حتي يأتي الله بالفرج.. 

غدًا تغاث وتتحول الأراضي القاحلة إلي روابي مزهرة، ويأتيك بالصحبة الصالحة، والعون الصادق، والفرج العظيم الجارف الذي لايقف بوجهه شيئًا يأتيك، ليزيد في يقينك بالله.. فسر له واهرع، واطرق الباب فإنه يوشك أن يفتح.. 

ها سائرٌ أم متعب ؟