لا أؤمن كثيرا بالمصادفات ، أؤمن بعمق في التقديرات ؛ بأن كل شيء في هذا الكون يحدث وفق خطط محكمات :
( و كل شيء عنده بمقدار )
كل شيء ، لا استثناءات ، لذلك علينا التدقيق في كل شيء ، في كل حدث ، في كل حركة ، في كل همسة ، علينا ان نستمع الى صوت السكون نفسه ، من يدري ، فربما يحمل لنا شيء ما رسالة ما ، رسالة من مدبر الارض و السماوات .
لذلك أجدني مشدودا الى مجموعة من الظواهر ، اجتمعت في عامنا هذا، عام ٢٠١٥ :
في مطلع هذا العام احتفلنا بميلاد نبينا محمد - عليه افضل الصلوات و التسليمات - و ها نحن نحتفل بميلاده الشريف للمرة الثانية و نحن في نهاية العام نفسه ، و هذا يحدث مرة واحدة، في كل ثلاث و ثلاثين سنة من السنوات .
سيقول قائلون : عادي جدا ما فات ؛ تفسيره معلوم لكل من درس مباديء الجغرافيا و اسس العلوم ؛ فالسنة الهجرية اقصر ب احد عشر يوما من السنة الميلادية ، فاذا وافق حدث يؤرخ له بالهجري - كالمولد مثلا - الأيام الاولى لسنة ميلادية ،فان الحدث نفسه سيتكرر في نهاية السنة الميلادية نفسها، لأن سنة هجرية كاملة تكون قد انتهت قبل انتهاء السنة الميلادية .
طيب ، اتفقنا ، عادي جدا ما فات ، لكن ، ما قولكم في ما هو آت :
تتزامن ذكرى المولد الشريف- التي تكررت مرتين هذا العام - مع ذكرى الميلاد المجيد - ميلاد عيسى عليه السلام - .
سيقولون : برضو عادي ما فات ، ممكن تفسيرو علميا ...
طيب ، لنعتبر ما فات عاديا ، لكن ما قولكم في (بدر الكريسماس) ؟
نعم - البدر الذي لم يكتمل منذ أكثر من ثلاثة عقود، في وقت الميلاد المجيد - سيكتمل بعون الله - خالق الاقمار المنيرات - هذا العام ، و هكذا أيها السادة :
ستحتفل الكثير من الطوائف المسيحية بعيد الميلاد المجيد، في نفس الوقت - تقريبا - الذي احتفل فيه معظم المسلمين بذكرى المولد النبوي للمرة الثانية في عام واحد ، و سينير السماء في ذلك الوقت بدر مكتمل منير جميل ، و لكنه - و هذه صدفة أخرى ان شئتم - سيكون بدرا صغير الحجم لأول مرة منذ سنة ٢٠٠٤، و سأضع الآن - مرغما - علامة تعجب : !!!!
آسف ، فقد وضعت اربع علامات تعجب : واحدة لتكرار المولد، و الثانية لتزامن المولد مع اعياد الميلاد المجيدة، و الثالثة للقمر المكتمل ، والرابعة لصغر حجم القمر . مهلا ، فقد نسيت ، ان هناك علامة تعجب خامسة ! . اسمعوا و عوا :
ان هذه الظواهر يتوافق حدوثها - تقريبا -مع الذكرى الخامسة لاندلاع الثورة التونسية ، هذا يعني انها تتزامن مع الحدث الذي تبعته أحداث جسام و امور عظام ، ان هذه الظواهر تتزامن مع الربيع العربي ، ان شئتم ضعوا الربيع بين قوسين- للتحفظ على تسمية ما جرى و يجري من بلاوي بالربيع - لا ضير ، فنحن لا نتناقش في السياسة الآن ... لكن المهم هو :
هل كل ما فات مجرد مصادفات ، ام انها امور مقدرات ؟ دعونا نفترض يا سادة انها مصادفات ، لكن اليست مصادفات عجيبة غريبة ؟!
الا تثير فيكم الرغبة في التأمل ؟ اما انا ،فنعم، انها تدفعني الى التأمل دفعا ، فتأملوا معي ان شئتم :
في ظروف ربما تكون هي الأقسى، و الأعنف ،و الأغرب، عربيا ، نحتفل مرتين بميلاد محمد بن عبدالله الرحمة المهداة ، الرحمة المهداة للعالمين ، لكل العالمين ، و ليس فقط للمسلمين ،
و بينما نحتفل- نحن المسلمين- بذكرى المولد ، يحتفل المسيحيون بذكرى الميلاد ، ميلاد عيسى بن مريم ، رسول المحبة و السلام ... انها اذن معان جميلة مفقودة، مطلوبة ،هذه التي تنثرها ذكرى الميلادين : معاني الرحمة و المحبة و السلام .
ثم ان القمر يأبى أن يفوت هذه الفرصة - فرصة لقاء الرحمة بالمحبة و السلام - فيحتفل معنا بظهوره بدرا مكتملا منيرا ، و كأنه يقول لنا : بهذين الرسولين العظيمين استنيروا ، بتعاليمهما ارتقوا ، أنا اضيء لكم الطريق ، و هما ينيران القلوب ، أنا أكشف لكم عن معالم الماديات ، و هما يكشفان لكم عن معارج الأرواح ...
لكن القمر يظهر صغيرا ! ترى لماذا ؟ أخجل هو من الظهور بكامل حجمه في وقت ذكرى ميلاد القمرين المنيرين : محمد و عيسى عليهما السلام ؟
ام تراه كئيبا حزينا غاضبا ؟ لا شك عندي في حيائه من الرسولين القمرين ، و لكني متيقن أيضا انه حزين ، حزين و غاضب ، أكاد اسمعه يقول : انتم أيها البشر في واد و تعاليم العظيمين - محمد و عيسى عليهما السلام - في واد آخر ، هما مثالان للرحمة، و انتم تمارسون باسمهما القسوة ، هما رسولا المحبة و انتم تزرعون باسمهما الكراهية ، هما رمزان للسلام ، و انتم تنشرون باسمهما الرعب و الخراب ، ألا شاهت الوجوه ،و الله لولا ذكراهما العطرة ما اكتملت، بل و ما ظهرت ، و بماذا ينفعكم نوري اذا كان نور القمرين - محمد و عيسى - لم ينفعكم ؟
هذا بعض ما قاله القمر ، أو ما حسبت أنه قاله ، و أحسب أنه يستطيع أن يقول فيطيل القول عن سوء حالنا ، و لكن يبدو أن القمر يرفض الاستسلام للأحزان ،و يفضل أن يبقى ناشرا للأمل، و محفزا على العمل ، و سيرا على نهجه ،فانني لن أختم مقالتي هذه قبل نشر الامل ،و الحث على العمل :
أما الأمل فاني استمده من تزامن ما سبق مع ( الانقلاب الشتوي)، حين يبدأ الليل بالتقلص لصالح النهار ، اذن فليل العرب- و ان طال - فهو بعون الله الى زوال ، نعم انه شديد الظلمة الآن ، شديد البرد ، قاس ، متجهم ، و لكن هكذا هي الليالي التي تلي الانقلاب الشتوي : تقل ساعاتها و يزداد بردها ، و هكذا ، الى ان يأتي وقت يتغلب النهار فيه على الليل، فيهل الربيع ، اذن فلننتظر نحن أيضا ربيعنا ...
هذا عن الامل ، اما الحث على العمل من أجل علاج الخلل ، فهو مستمد من تزامن ما سبق - تقريبا - مع اليوم العالمي لاحياء اللغة العربية ، و الحقيقة ان فكرة( الامة العربية الواحدة) هي التي تحتاج الى احياء ، نعم هي حلم مستحيل التحقيق الآن ، و لكن العمل من أجله فرض على الجميع ،خاصة و ان تجارب السنوات السابقة أثبتت ان الدول الكبرى تسعى الى تفتيت العرب- المفتتين اصلا - ليعودوا عربانا ، و حتى نحقق الوحدة لا بد لنا اولا من المحافظة على ما تبقى من دولنا موحدة ، و العمل من اجل توحيد ما تفرق ، و شرط الوحدة - على المستوى القطري- هو الاتفاق على اطر وطنية جامعة تعطي كل المواطنين حقوقهم دون تمييز على اي اسس كانت ، ان هذه الاطر تحقق- برايي المتواضع - الامن و السلم المفقودين وطنيا ، و هذا مدخل و اساس لتحقيق الامن و السلم قوميا ، و هكذا تكون لدينا ارضية خصبة صالحة للحديث عن( الوحدة العربية) المنشودة ...!
لقد وضعت علامة التعجب بالنيابة عنكم؛ لاني اعلم ان ما ادعو له يبدو خيالا ، و لكن لا بأس من الاحلام ، و البأس كل البأس من اليأس ...
كل السلام على رسولي السلام ، السلام عليك يا سيدي و قرة عيني يا محمد بن عبدالله ، يا من جعل العرب امة واحدة ذات رسالة خالدة ... السلام عليك يا سيدي و قرة عيني يا عيسى بن مريم ، يا من وقفت في وجه زعماء اليهود الذين جعلوا من الدين وسيلة لخدمة مصالحهم الذاتية ... السلام على رسل الله اجمعين ...
اللهم انت السلام و منك السلام فانشر في العالمين السلام ...