‏من الليل البهيم، إلي الصباح المشرق، ومن الطريق الوعر إلى الطريق المستقيم، ومن ضيق الكرب إلى سعة الفرج، أكتب ولا أعلم مافي جعبتك وما أهمّك، لكني علمت أنك على قارعة الطريق تبكي شوكته ووقعاته المؤلمة، وأن أقسى ما قد توجهه وحدتك واختلال البوصلة والسير في سيناء التيه، على شفير اليأس وحائرٌ على الطريق تبكي ، إذ تُركت في مهب الريح لا حول لك ولاقوة، لكن دعني أعيرك عيني وأصلح بوصلتك وأنزع النظارة السوداء، لترجع متصبرًا، وذلك بنور التوحيد الذي جعلنا جسدًا واحدًا وقلبًا واحدًا فتعال أنصحك فأعرني قلبك، قبل أذنك

الأجدر من البكاء والعويل أن تدرس الطريق بوعورته أن تدرس حقًا مواجهته وإلا فكما حدث الوقوع سيكون الاستمرار، ولعلك الآن واقف عاجز على قارعة الطريق أنت وقلبك الملآن بالأوجاع، لماذا؟، ولما يؤذنني؟ ، وتراهم لا يتوجعون لعثرتك بل يشمتون ، ووأنت كنت تقابلهم بالخير الدائم والفعل الحسن، فمنهم من باعك بأبخس ثمن.. 

ومن حولك مَن يسدد سهام النظرات إليك ويطعنك بنظرته باستخفاف، وتشيرُ إليك الأنامل المرفقة بكثيرٍ من الهمز واللمز ..  يسخرون من خطوتِك العرجاء وجرحك الغائر، وصوتك المرتعش .. يسخرون منك وأنت لم تكن تؤذيهم قط يومًا، وكنت على العهد معهم بالحق لكن يشاء الله أن يجعل من شدتك غربال لصحبتك لينزع عنك الزيف

صوتك  الذي صدح بالكلمة الطيبة في حقهم لن يضيعه الله، هو نفسه صوتك الذي يتحشرج الآن في حنجرتك .. وأنفاسك الثقيلة من فرط ما كتمت من كلمات وبكاء تكاد تخنقك، يعلمها الله 

وأعلم والله .. كم يشقّ عليكَ هذا ،  وأعلم جيدًا كيف أنك تظن ظن السوء بنفسك بأنك سيئ لاتستحق شيئًا، وأن الذين آذوك قد يكونوا

على صواب، لكن !

ليس من الصواب أن تخور قواك الآن ، أو أن تسقُط ، أو تسمح للأوهام السوداء أن تعميك عن رؤية أن الله الرحيم خلقك مسلمًا طاهر النفس،  في الدنيا عابرًا لطيفًا، لم تظلم ولم تكن عصّيًا شقيًّا

سر ..

ودعوتك في صدرك الحرّان ، ومحرابك أمامك، وكفك مرفوعًا بالتفويض والدعاء، أرسل في كل حينٍ سهام دعواتك،

سر في طريقِك الوعرة، المحفوفة بالمعية من الله وباستحضار قدرته، مع سر بالخطوات التي لا تتزعزع ، صاحبة الأثر الذي لا يضيع مع السنين . وكن مثل النجوم التي في الأفلاك تحوم، لاترضى بالدون، ولا ترد الإساءة بالإساءة ولكن السوء باستحضار الله! 

وتأكد ..ما خُلق هذا الكرب في طريقك هباءً ، إنما الدنيا اختبار ببعضنا البعض، واحمد الله أنك في كربك على الطاعة وفي ضعفك كنت في موطن قوة حين لم تعصى الله وآثرت الرحيل، وما مرّ على روحك المهتاجة إلا ثمنًا لدرجة في الجنة! 

واستمرّ .. دومًا أن تكون على باب مولاك رافعًا كفيك وقلبك يختلج ويشكو لمولاه مابه من حرج ولاتنزل حاجتك للمخلوق 

وكن ممن قال الله فيهم :

" فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ " ..

وإن كنتَ غارقاً .. مكسور الجناح .. قد ذبت خجلاً من معاصيك .. فالحق بركب العُرج والمكاسير،  وافتخر بصدق الأعرج خيرٌ من سير الكاذب ولاتبالي! 

غدًا

ستكون مرفأ الضالّين ومنارة المعتَمين، وغيث الظمأى، فكل من جالسك عاد إليه الهدوء وقد روى تفثه من بئر قلبك العذب،  فعاد أقوى وأقدر، قد اصطفاك الله ويسّرك ، ولكن حذارِ من الهوى، أو الرياء ، يومًا ما حين تصل إلي الثقة بما في السماء والإيمان بما خلف الحجب ستعلم أن الدين ليس مجرد مظهر إنما هو مخبرٌ أيضًا فيكون مدحهم كذمهم، وأنت سائر مع الله في كل حال قأقبل على الله وأفرغ دموعك ، واتجه نحو السماء ، تنقشع سحابة الليل لينكشف الضياء، وينزل الغيث بالآيات من فيحيي قلبك من الجفاء .. لكي ينتقل قلبك من ظلمة الغفلة إلي نور الله، فحينما سقطتَ وتهشّم مصباحك واختلّت بوصلتك، كان الله ينقلك من نورك الضئيل إلي براح نوره، وتلك العرجة التي عرجتها بعد جرحك وشوكتك التي آلمتك، فسِرتَ حبوًا تُزيح شيئًا وتتخبطُ آخرًا، وتلتجئ لمولاك  لتعدل بوصلتك من الدنيا إلي وجهه الله ويومًا ما سيتجلى لك في النهاية لطف الله الذي لازمك أثناء سيرك وكنت عنه غافلًا؟ ثم ما آنَ لك من هذه العرجة وتلك الكسرة إلا أن تألف رحمة الله، وتشعر بها الآن في أوساط الطرق فتأنسُ يقينًا بها قبل النهاية؟

وماكان سوء خلقهم معك إلا لتكتمل خطوط مسارك وانتصارتك، فلا تبرح حتى تجبر واصبر واصطبر..! 

وتذكر مفتاح الفرج بالاستمساك " فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ "

والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد ﷺ