وإني اليوم لآتية فجرًا، بمعانٍ خفية، وأمورٍ جلية، حديثي من القلب لعله يقع في القلب، لذلك الذي يقف على الحديث موقف الفاحص المتأمل، فهات كلك وأقرأ! 

ياذا القلب الواعي، والنفس الطيبة، إنما الهجرة هي الترك، وليس ترحل البدن فقط، في الهجرة..ستعلم أنك حين تترك وتتخلى هو عين التمسك، وأن الحياة عملية حذف وإضافة وأن في لحظة الحذف تكون الإضافة، وأن الله يدبر لك وقد يمكر عليك حسب ذلك القلب، 

فالله حين أمرك بترك الذنب، والتمسك بحبل الله كان يرسم لك طريقك لفتح الجنة، وكان ينقلك من مناط التكليف إلي مقام التشريف، 

فهجرتك للذنب هو أقصر طريق، وهو الخط المستقيم، والصراط القويم، وحال قلبك الذي في صدرك في رحاله وترحاله لله، حالك على الصراط يوم العرض، والله يعلم متقلبك ومثواك، فالهجرة تصقل فيه رياضة الروح، وتدريب الجوارح وتهذيب الخلوات والجولات والسكنات والحركات 

الهجرة؛ أنّ تهجر هواك،  أن تلجأ لله كل ليلة وأن ترى ذنبك وترى نعمته حتى يستقيم فالسير لله ليس بكثرة القيل والقال، وإنما بالتعلق بخالقها، ولو علم قلبك ربك استقام وأقام على بابه، وانطرح لأجل رضاه، فليست،

ولصمُت اللسان عما يغضبه وخضعت الجوارح لملك الأعضاء فغضّت العين الطرف عن الحرام، واليد عما يغضب مولاها، وخشع الجسد لله، وكرهه مواطن السيئات وأهل الفحش  فالهجرة؛ الخروج من ضيق الدنيا إلي سعة الدنيا والآخرة والامتلاء بالله، والغنى به

أن تصعد درجاتك نحو الدار الآخرة تاركًا دار الفناء، أن تُلقي الأحمال عنك، أن تبتعد عن كُلّ صغيرٍ أوهن عزيمتك، هنا انظر إلي معراج خطواتك، وانظر في أنفاسك بما اشتغلت وبما انشغلت، والله لتجدن قلبك متعلقًا بالله، تاركًا خلقه، سائرًا له سرًا وجهرًا، محبًا له حب المشتاق، سعادتك الأبدية عند باب العبودية هو الملجأ، وهو الوكيل منه الخوف وفيه الرجاء، وأحب الأزمان والأماكن مواطن الإقبال عليه، وصدْقِ الافتقار في كلِّ حين ، وفيه يكون القلب ممتلئ به في حركاته وسكناته، سواء أكانت ظَّاهرة أوباطنة؛ فإنه يتلمس مواطن رضاه، ولا يقبل من أحدٍ دينًا سواه،

فإن رزقكك صحبة فانظر من ترافق ومن يشد من أزرك، ويسير معك الطريق من يصدق نفس الهدف، ولا تخدعنك الأقاويل فالناس تحسن الحديث، فالكثير يحب الخير قليلٌ من يفعله،

والكثير يدعي محبة الله ورسوله ويختار الدنيا بكل ما فيها حتى مايغضب مولاها

ولا يعرف الرجال بالأقوال، إنما في ميدان النزال، فما أعظم خُطاكَ إن كنت صِدِّيقًا لمَن سارَ معك.

ولا أقصد بالهجرة بالفرار من الواقع المرير، واعتزال الناس إنما باليد التي لاتتراخى عن ترك الدين، والعين المثبتة على الآخرة، والقلب يرى زخرف الدنيا يقبل عليه وهو مدبر عنه، أن تقوم لله سيرًا لا وقوف فيه، تحمل هذا الدين كشعلة، فتكون قرآنًا يمشي ، لا تغفل ساعةً فتكون الثغرة، بل نُقيل العثرة، نستودع أنفسنا لله، أن نمضي عقدًا مع الله ولانبالي بالخلق، وفي خطوة نعلم أن الله ينظر لنا، أن نحيط جدار قلوبنا بسور الإخلاص، أن نجعل من حياتنا محراب لله، أن نغرس الدين في النفس حتى يصل لأبعد نقطة فينا، 

فإن أعطاكم الله صدّيقيًا فالحمد لله، وإن لم يعطي فالله قدّر أن يكون هو الصاحب في الرحلة والأنيس في الخلوة، فانظر في الأمر على أنه تجارةٌ فرديّة واحزن إن تأخرت عن الركب، ولاتبالي بمن سقط إلا أن يسقط اللواء.. فإن من تراخيك وغفلتك

اللهم هذب قلوبنا وحصنها من الزيغ والفتن واجعلنا من الذين يهجرون المعاصي ويبغضون أهلها ويسيرون حبًا، ويحبون غربتهم، ويمضون إليك شوقًا، ويهاجرون من مواطن المعاصي إلي براح الطاعة، ويأنسون بك عمك سواك 💚🌿

الآن ما آن للقلب أن يهاجر؟!